إدريس العولة – وجدة
في الساعات الأولى من صبيحة يوم 18 دجنبر من سنة 1975، وبينما كانت الفرحة تعم الأمة الإسلامية قاطبة من المحيط إلى الخليج، احتفاء بقدوم عيد الأضحى المبارك، وفي الوقت الذي كانت كل الأسر المسلمة في كل بقاع العالم تستعد لإحياء هذه الشعيرة العظيمة بالنظر إلى رمزيتها الدينية والاجتماعية الكبيرة لدى المسلمين، كان النظام الجزائري يخطط لجنازة كبيرة شيعت فيها كل معاني الإنسانية والأخوة الإسلامية والعربية إلى مثواها الأخير.
لم يكن النظام الجزائري يعير هذه الشعيرة ولا رمزيتها لدى المسلمين أي اهتمام، بل كان يخطط لارتكاب أبشع مجزرة إنسانية لم يشهدها تاريخ الإنسانية، في حق مواطنين مغاربة أبرياء عزل، سخروا سواعدهم لخدمة هذا البلد دون كلل وملل، قبل أن يتنكر لهم نظام هذا البلد، ويقرر التخلص منهم بطريقة وحشية بعدما جردهم من ممتلكاتهم وأخرجهم حفاة لترحيلهم قسرا إلى وطنهم الأم.ليفرق بذلك الأب عن أبنائه والمرأة عن زوجها، ويطعن علاقات جزائرية-مغربية تتجاوز الجوار إلى علاقات الدم والقرابة والمصاهرة بين عائلات لازالت تؤدي الثمن حتى اليوم ثمن حماقات نظام يبدع في صناعة المآسي لشعوب المنطقة.
1 – المسيرة السوداء
كانت الأجواء باردة جدا في ذك الصباح من شهر دجنبر من سنة 1975. جحافل من مختلف تشكيلات الأجهزة الأمنية الجزائرية تقتحم منازل المواطنين المغاربة دون سابق إنذار، وترمي بهم داخل شاحنات الأزبال وفي الحافلات المهترئة في مشهد لا يمت بصلة إلى الإنسانية، ليتم الإلقاء بهم في الحدود المغربية الجزائرية.
رمتهم عراة حفاة دون شفقة ولا رحمة..هكذا كان يتحدث ” عمي العيد” وقد تجاوز عقده التاسع، لجريدة 24 ساعة الإلكترونية، والدموع تغالبه. وبصوت متحشرج، يخفي حزنا عميقا، يستطرد حاكيا: “لقد جردوني من منزلي ومن دكاني الذي كنت أمارس فيه تجارة بيع المواد الغذائية بمدينة تلمسان، اشتريته من عرق جبيني بعد أزيد من 20 سنة من العمل بضيعة أحد الفرنسيين، لم يهمني منزلي ودكاني، بل ما صدمني وزاد من آلامي هو أنهم فرقوني عن زوجتي وأبنائي الثلاث”.
تنهد “عمي العيد” وصمت قليلا وهو يستجمع قواه، قبل أن يشرع في سرد حكايته عن بعض الثوار الجزائريين الذين كانوا يتخذون منزل والده بضواحي منطقة بني ادرار حوالي 20 كيلومتر شمال مدينة وجدة، قاعدة خلفية لمكافحة الإستعمار الفرنسي.
(يتبع)