يستعرض المقال التالي المعنون ب”ماذا يحدث في الشرق الأوسط؟ المنطقة ما بين الحرب والسلام” للصحفي والخبير المختص في قضايا الشرق الأوسط، نورالدين الدغير، المرحلة الدقيقة والمتقلبة التي تشهدها يشهد الشرق الأوسط ، المتسمة بتداخل الصراعات الإقليمية والدولية، وتصاعد التوترات بين القوى الكبرى. حيث يتناول تحليلاً شاملاً للأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، بدءاً من التدخلات الأمريكية في اليمن، مروراً بالتحركات الدبلوماسية تجاه إيران، وصولاً إلى التطورات في سوريا وغزة.
كما يسلط المقال الضوء على إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية، حيث تسعى القوى الفاعلة إلى إعادة ترتيب الوضع الجيوسياسي في المنطقة. كما يبرز المقال التحديات التي تواجهها سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد، وتأثيرها على توازن القوى في المنطقة.
في ظل هذه التطورات المتسارعة، يطرح المقال تساؤلات حول مستقبل المنطقة، وإلى أي مدى ستؤثر هذه التحولات على استقرارها وأمنها.
وفي ما يلي نص المقال
تطورات متسارعة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية هجومها على الحوثيين في اليمن، رسالة أمريكية من الرئيس ترمب إلى إيران و بالتحديد إلى المرشد الإيراني لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات النووية، حراك في سوريا ، من مواجهات الساحل السوري و على الحدود اللبنانية، إلى خطوات للإدارة السورية الجديدة لتثبيت الوضع القائم،دون نسيان تطورات الوضع في غزة.
تطورات تعيد خلط الاوراق في المنطقة و قد تكون محطة مهمة لإعادة ترتيب الوضع الجيوساسي فيها،والسؤال لذي يفرض نفسه إلى أين تتجه كل هذه الملفات و باتجاه اي محور تتحرك.
كشف مؤتمر المانحين الدوليين في بروكسل بشأن سوريا أن القناعة قد اكتملت بشكل كبير بدعم المرحلة الإنتقالية التي تمر منها، و هذا بدا واضحا من الموقف الخليجي الذي عبر عنه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ويرى بأن إعادة إعمار سوريا و استقرارها ضرورة إنسانية و أمنية للمنطقة بأسرها، و واضحكذلك من حجم المساعدات التي تقرر منحها و بلغت 5.8 مليار دولار،وبكل تأكيد هذه ليست إلا خطوة أولى من أجل جلب مكتسبات سياسية على أرض سوريا ومايهم الأوربيون بالدرجة الأولى
1-محاربة الإرهاب و منع انتقال أو تحول سوريا إلى نقطة انطلاق للجهاديين إلى الأراضي الأوروبية
2-تفادي تدفق الهجرة من جديد إلى أوروبا في حال فقدت سوريا استقرراها, فضلا عن سعي أوروبي للتخلص من حجم الهجرة التي تدفقت إلى اوربا خلال فترة حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد والحرب الداخلية التي عاشتها سوريا منذ 2012
مايهم دول الإقليم و الدول الغربية هو الخط السياسي الذي ستتحرك عليه حكومة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع،و الهدف الأساس هو احتواء سوريا الجديدة ضمن خارطة الشرق الأوسط الجديد، و عملية الأحتواء لن تمر بهدوء و قد تلجأ الجهات الدولية الفاعلة إلى تحريك ملفات حساسة كآليات ضغط على حكومة دمشق للتماهي مع ما يخطط في كواليس السياسة الدولية للمنطقة
1-تحريك ملفات الأقليات و بروز ملف الساحل السوري و ماشكله من إحراج لحكومة الشرع بسبب عمليات الانتقام و القتل التي تمت ، ملف الدورز في السويداء و دخول إسرائيل على خط هذا الملف، ملف الاكراد ستتحول إلى ورقة ضغط على دمشق للتماهي مع المطالب الدولية بشان هذه المجموعات العرقية و تبقى سيفا مسلطا عليها خاصة وانها تسعىإلى رفع العقوبات الدولية عنها، و الحصول على مساعدات دولية.
2-ملف الإرهاب و هوالملف الذي لن يفارق الحكام الجدد في دمشق مادام الوضع لم يستقر بعد، وقد يؤثر ذلك على سلوك الحكومة السورية لإظهار حسن النوايا و مغادرتها لمربع الحركات الجهادية و تبنيها سلوكا يغلب فيه مفهوم السياسة على مفهوم السلاح، و قد يكلف الحكومة السورية بذل جهدا كبير لكسب ثقة المجتمع الدولي و مسح تلك الصورة التي ارتبطت بالمسؤولين الجدد في علاقتهم بمنظمات الجهاد العالمية، و ستبقى هذه ورقة مهمة و حاضرة في كواليس اللاعبين الدوليين لاستعمالها عند الضرورة، أو على الإقل لكسب مواقف سياسية تنسجم مع ما تعتبره مجموعات الضغط العالمية بالقرارات و المقررات الدولية
3-أمن إسرائيل، فللجغرافيا السورية دور مهم في معادلة الأمن القومي الإسرائيلي، و قد يكون الوضع الحالي للحكومة الجديدة دور أساسي في ان تعيد إسرائيل ترتيب ملفاتها الأمنية سواء على الحدود السورية و منع أي تحرك لجماعات مسلحة من داخل التراب السوري، و الحكومة السورية يبدو انها غير معنية بشكل كبير في فتح جبهة صراع مع إسرائيل بل ستكون عنصر مهم في ردع أي تحرك لمجموعات مسلحة من الأراضي السورية كون الاولوية الحالية لدمشق هي تثبيت أركان النظام السوري الجديد.
قد تكون سوريا غيرت الكثير من المعادلات الإقيليمية بعد الاطاحة بنظام بشار الأسد، اطاحت بماكان يعرف بالهلال الشيعي و الذي كان يمتد من طهران إلى بيروت، أخرجت كل المليشيات المسلحة الموالية لإيران و التي كانت ترابط على مقربة من إسرائيل و تشكل إزعاجا امنيا لها، و الأهم في كل هذا هو عزل حزب الله في الجغرافيا اللبنانية و حرمانه من أي تسليح جديد يستطيع من خلاله إعادة بناء قدراته العسكرية التي انهكت خلال الهجوم الإسرائيلي
سوريا بالشكل الجديد لن تكون إلا حلقة مهمة في محاصرة الدور الإيراني في المنطقة و يمكن القول انها كانت الحلقة الأساس لتتجه الانظار إلى باقي مناطق النفوذ الإيراني في استراتيجية هدفها قطع كل الامتدادات الايرانية و محاصرتها داخليا و هذا هو صلب السياسة الأمريكية التي بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذها على الأرض و يتمظهر ذلك في :
1-عودة عسكرية أمريكية قوية إلى اليمن في عمليات تستهدف البنى التحتية للحوثيين وإخراجهم من معادلة الصراع الإقيلمي، سواء بلجمهم عن تهديد الملاحة البحرية في باب المندب و خليج عدن و البحر الإحمر و المحيط الهندي، أو إخراجهم من ساحة التضامن مع فلسطيني غزة،و منع تهديدهم لدول الخليج و خاصة السعودية و الإمارات، و تحييدهم عن أي صراع إقيليمي قد تشهده المنطقة، وليس بالضرورة أن يكون الهدف الأمريكي الإطاحة بجماعة الحوثيين من إدارة صنعاء بل دفعهم للإنكفاء على ذاتهم و ترك أمر اليمن لصراع داخلي بين الفصائل المتناحرة
2-لاستكمال الطوق الأمريكي الإسرائيلي على إيران ستكون العراق نقطة عبور أمريكية للتفرد بايران في المنطقة فما هو مخطط له حتى اللحظة هو إخراج المليشيات العراقية المسلحة من ساحة القرار العراقي السياسي، الأمني و العسكري و تبدو الساحة العراقية مفتوحة مستقبلا على عمليات عسكرية باهداف محددة تضرب مراكز الحشد الشعبي و تحييد قياداته و قد تكون اللعبة أكبر من ذلك بإعادة بناء عملية سياسية جديدة تكون واشنطن اللاعب الأساس فيها،و سيناريوهات التغيير في العراق قد تنتظر الانتخابات التشريعية المقررة في نهاية نونبر المقبل، أو ربما قد يكون هناك إحداث تغيير بشكل عنيف إو من خلال ضغط شعبي عبر الشارع.
سيناريوهات إسقاط ما تبقى من العواصم الأربعة التي تحدثت عنها طهران سابقا(بغداد، بيروت، دمشق و صنعاء)، يتزامن مع رسالة الرئيس ترمب إلى المرشد الإيراني بشان التفاوض على أرضية الملف النووي ، و قد تكون الإطاحة بحلقات طهران في المنطقة ، محاولة لسحب أوراق الضغط من يدها وفي هذه الحالة تقف طهران بين مسارين
1-الدخول بأياد خالية إقليميا و ضغط غربي على برنامجها النووي و في هذه الحالة ستكون الاستراتيجية الأمريكية دفع إيران لتقديم تنازلات كبيرة و هذا بالضرورة لايعني أن ترفع و اشنطن جميع العقوبات المفروضة على إيران أو امكانية انخراط ايران في المنظومة الاقتصادية العالمية ولحد الساعة ليس لدى قادة طهران ثقة كبيرة في مسألة التفاوض مع إدارة الرئيس ترمب
2-تشدد إيران في مسألة التفاوض مع واشنطن و هذا وارد بشكل كبير، و قد لا ترفض العرض الأمريكي للتفاوض سواء بشكل مباشر أو غير مباشر و يبقى الجدل قائما بين البلدين ضمن أطار الرسائل المتبادلة مع إحداث تعديلات في الملفات و الشروط و المطالب.
و سط هذا الجدل الأمريكي الإيراني تبقى المنطقة تترقب ماذا في اليوم التالي:
-هل تتجه الإدارة الأمريكية إلى الخيار العسكري لحسم صراعها مع طهران ، خيار ستكون نتائجه كارثية على المنطقة و قد لايخدم الاستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط و أهم هذه الاسترتيجيات تعجيل عملية التطبيع إقيليما مع إسرائيل،و قد تخرج واشنطن معادلة الحل العسكري من أمنيا أكثر منه عسكريا
-المفضل أمريكيا هو زيادة الضغوط من خلال فرض مزيد من العقوبات في أفق ان يكون لذلك تأثير على الداخل الإيراني و ترقب أن يحدث ذلك زلزالا اجتماعيا ربما يسهم في تغيير سلوك النظام أو تغييره بشكل كامل.
محددات أساسية تتحرك على خارطة منطقة الشرق الأوسط، عزل إيران ، إضعاف ما يعرف بمحور المقاومة و إخراجه من ساحة التنافس السياسي و العسكري، إعادة الوهج السياسي لما يصطلح عليه بمحور الإعتدال في الأقليم، سياسة تهاجمية تتبعها إسرائيل في فلسطين، و إدارة أمريكية ترغب في بناء المنطقة وفق ما يريده الرئيس ترمب، كل هذه المعطيات ستلقي بتداعيتها على ما يقع في غزة خاصة و فلسطين بشكل عام، و قد تفتح الباب لإكمال سياسة تهجير الغزاويين ورسم خريطة على مستوى الجغرافيا السياسية لفلسطين، و ليس ببعيد بأن يتم بناء علاقات لدول المنطقة مع إسرائيل بصيغ مختلفة
1-تطبيع كامل و اعتراف رسمي باسرائيل و هذا ينضوي تحت مشروع الاتفاق الابراهيمي
2-صياغة رؤية جديدة لدول غير قادرة أو غير راغبة في التطبيع الكامل مع إسرئيل تنبني على ما يمكن ان يصطلح عليه بالهدوء مع إسرئيل من دون سلام أو تطبيع رسمي و ترك الفعل السياسي للمبادرات الفردية او مبادرات للمنظمات الأهلية
قد يكون عام 2025 عاما حاسما في تاريخ الشرق الأوسط سواء برسم معالم مرحلة يغلب عليها الهدوء عبر حل منطقي للملفات المتوترة به، أو إدخال المنطقة في بوثقة صراع لايقل في تعريفه عن معركة الهرمجدون التاريخية و ترقب نهاية العالم.