24ساعة-متابعة
بعد عقود طويلة من الدراسات المستفيضة والتحديات السياسية والتقنية، شهد مشروع النفق البحري الذي يهدف إلى ربط إسبانيا بالمغرب عبر مضيق جبل طارق تقدمًا ملحوظًا واهتمامًا متجددًا.
ما كان في السابق مجرد رؤية طموحة بدأ يقترب تدريجياً من أن يصبح واقعاً ملموساً، مدفوعاً بدراسات جدوى محسّنة، ودعم استثماري من الاتحاد الأوروبي، والتوجهات الجيوسياسية الرامية لتعزيز الترابط بين أوروبا وأفريقيا.
وأطلقت الحكومة الإسبانية، من خلال الشركة العامة “Secegsa”، مؤخراً دراستين رئيسيتين لتقييم الجوانب التقنية الرئيسية للمشروع الأولى تتعلق بتحليل الجيوتقنيات، يرتكز هذا القسم على دراسة آليات حفر قاع البحر الذي سيقام فيه النفق. والثانية بالرصد الزلزالي الذي يتم تحت إشراف البحرية الإسبانية وباستخدام أجهزة قياس زلازل مستأجرة من شركة “تيكبام” لتقييم النشاط الزلزالي بمضيق جبل طارق.
من المخطط أن تمتد هذه الدراسات حتى شتنبر 2025، لتشكّل قاعدة علمية دقيقة لاتخاذ الخطوات التنفيذية.وبرغم أن التكلفة الفعلية لم تُعلن بعد، فإن التقديرات تشير إلى استثمارات تتجاوز 15 مليار يورو، يتم تمويلها بالتشارك بين إسبانيا، المغرب، والاتحاد الأوروبي.
وقد بدأت بالفعل تعبئة مبالغ كبيرة لبدء الأعمال التحضيرية. لكن المشروع ليس مجرد إنجاز هندسي بارز؛ بل يمثل قطعة محورية في المشهد الجيوستراتيجي العالمي. إذ يسهم في تعزيز الروابط بين أوروبا وأفريقيا وتسهيل حركة التجارة ونقل البضائع والسياحة. كما يعزز التكامل السككي بين القارتين رغم العقبات التقنية، مثل عدم اكتمال كهربة شبكة السكك الحديدية المغربية.
وفق الجدول الزمني المعلن، فإن اكتمال بناء النفق لا يُتوقع قبل سنة 2040 على أقرب تقدير، بالنظر إلى التعقيدات المرتبطة بالمشروع، مثل تحديات الحفر العميق والظروف الزلزالية ومتابعة التنسيق السياسي والمالي بين الأطراف المعنية.
وتأتي عودة الزخم للمشروع تأتي متزامنة مع نضوج تقني كبير يتيح مواجهة تحديات مثل الحفر في الأعماق البحرية واستقرار الهياكل ضد الزلازل في المناطق الحساسة. كما أن السياق السياسي الحالي يوفر تعاوناً أكثر انسجاماً بين الحكومتين الإسبانية والمغربية.
وقد شهد المشروع دفعة رئيسية عندما أعلن وزراء النقل في كلا البلدين في أبريل 2023 إعادة تفعيله رسميًا بعد توقف دام 14 عاماً. إضافة إلى ذلك، ظهر المشروع على خارطة الخطط الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي ضمن مؤسسة “التعافي والمرونة”، مما يعزز فرص حصوله على دعم مالي أوروبي مباشر.
وفي الوقت نفسه، يركّز المغرب على تطوير وتحسين شبكات السكك الحديدية الخاصة به سعيًا لتحويل طنجة إلى محور لوجستي لربط شمال أفريقيا بأوروبا.
مع تزايد الضغوط الناجمة عن تدفقات الهجرة والتبادل التجاري بين القارتين، أصبح هذا المشروع أكثر أهمية من أي وقت مضى باعتباره بنية تحتية ثابتة وآمنة ودائمة.
يجمع هذا المشروع بين الإرادة السياسية، التمويل الكافي، والجدوى الفنية التي طالما افتقدها المشروع طوال ثلاثة عقود من الطموح، ليقترب الآن أكثر من أي وقت مضى من رؤيته المكتملة.