رشيد حموني
بعيدا عن الجدل العقيم وجفاف الفكر، سأعتمد منهج التحليل المبسط لتسليط الضوء على معضلة “البلوكاج التشريعي” داخل الغرف الثانية، والتي لطالما اعتبرتها، شخصيا، غرفة تجميد القوانين، نظرا لما عايناه عند إقبار العديد منها، وهذا ما يتجلي في ضعف حصيلتها على مستوى الممارسات التشريعية. و لعل ما يحز في نفسي اليوم هو كيف لمؤسسة دستورية أن تتعامل بتقاعس تشريعي و تماطل في إصدار قوانين و تشريعات كانت في صلب جلسات و لقاءات ماراطونية ثم مجهودات و اجتهادات مكثفة من أجل المناقشة و المصادقة عليها من طرف مجلس النواب(الغرفة الأولى).
نعلم جميعا أن سن التشريعات و القوانين تتم من أجل إرساء سياسة معينة أو لمواجهة مشكلة معينة، و من ثم فهي تقوم بصنع السياسات العامة فى النظام السياسي و هذا ما يؤكد دور البرلمان في التحول الديمقراطي. لكن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن، فالعديد من القوانين في الغرفة الثانية “نائمة” إلى الأبد، وأخرى “محتجزة” لمدة طويلة ولا يتم المصادقة عليها لأسباب مجهولة أو أسباب “سياسوية” ضيقة أو غيرها. فضلا عن قوانين عالقة تبحث عن مخرج لتمريرها منذ فترة طويلة، مما يثير استياء متزايدا نظرا للاستخفاف وعدم احترام الآجال والتقصير في الإفراج عنها، مما يتسبب في هدر “الزمن التشريعي” وتشكيل أعطاب جوهرية في النموذج التنموي وهذا ما يؤثر سلباً على الكثير من السياسات العمومية المرتبطة بضرورة صدور نصوص قانونية داعمة لها.
أكيد أن ما يحدث ينبهنا إلى أن البرلمان يعرف ازدواجية تشريعية مثل العديد من الدول (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا…) نظرا لتوفرها على غرفة ثانية تتمتع بتركيبة سوسيولوجية أو اجتماعية مختلفة. وفي المغرب تعتمد على تمثيلية مقاولاتية ونقابية وحزبية وهي بمثابة نسخة مكررة في اجترار مشاريع القوانين، لكن في حالة الاعتراض على بعضها تصبح المسطرة أكثر تعقيدا تؤدي في النهاية إلى بطء الوظيفة التشريعية للبرلمان وتعقيدها وهذا ما يشكل خطرا تشريعيا؛ أن يتحول المجلسين إلى برلمانين مستقلين أو مجالا للأزمة التشريعية. وهذا ما تابعناه جميعا بشكل واضح في تجميد العديد من القوانين، على سبيل المثال لا الحصر، مشروع مدونة السير من قبل مجلس المستشارين منذ أكثر من عشر سنوات، و مشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة، وحاليا مشروع قانون التعاضد والتغطية الصحية للوالدين ..ومشاريع أخرى عديدة. مما يدفعني شخصيا للإعراب عن تخوفي من تحول مفهوم مشروع قانون في الغرفة الثانية إلى تجميد أو إقبار يجسد انحباسا سياسيا يغيب مسؤولية الفاعلين السياسيين التي لا تجدي إلا إلى تدني مستوى ثقة الشعب بحكم أنه مجلس غير فعال وبعيداً كل البعد عن احتياجاتهم مما يؤدي إلى اتساع الهوة بين الشعب
و السياسة ويكرس النفور والعزوف ثم يرسخ مقاربة “جدار بين المواطن والدولة” .
طبعا لا أنكر أن الاختلاف مع النص التشريعي أو التوجهات الحكومية وارد، لكن لا يجب أن ينسينا أننا مسؤولون كشركاء في مصلحة الوطن و ليس فرقاء في ضمان حسن تدبير و تسيير المؤسسات الدستورية والحرص على عدم تثقيل المسار التشريعي في البلاد وفق طبيعية مهامنا كممثلي للأمة خشية الانزلاق إلى الأردأ و الأسوأ مما لا تحمد عقباه، وآنذاك ستنطبق علينا قولة المثل الشعبي القائل “ذهن راسو بالعسل و خشاه في غار النمل”.