الرباط-سناء الجدني
تعج مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب بعدد من منشورات الصور ومقاطع الفيديو التي التقطتها عدسات هواتف المواطنين أو كاميرات المراقبة الخاصة بهم، توثق أفعالا جرمية مثل الاعتداء بالسلاح الأبيض أو السرقة وغيرها.
هذه المنشورات تسهل على المصالح الأمنية التعرف على الجناة وتوقيفهم بسرعة قياسية. غير أن هذا الفعل يثير، حسب مهتمين، إشكالات عملية تتداخل فيها مجموعة من النصوص القانونية المتعلقة بعدم التبليغ عن جريمة من جهة، وبجريمة التشهير من جهة أخرى.
وفي هذا الصدد أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، خلال الجلسة الشفهية بمجلس المستشارين أمس الثلاثاء 10 دجنبر 2024، أن المساس بحياة المغاربة عبر وسائل التواصل الإجتماعي تحت لواء حرية التعبير، سيقام لها قانون جنائي في القريب العاجل وسيعاقب من خلاله كل من خالفه أو مس بحياة شخص أو سمعته، وطالب كل من تعرض لهذه الظاهرة التوجه لرفع دعوى قضائية ضد أي جاني كيفما كان.
وفي هذا السياق تواصلت “24 ساعة”، مع المحامية بهيئة الدار البيضاء، والفاعلة الجمعوية، وعضوة جمعية التحدي، الأستاذة الزاهية والتي أكدت في تصريحها، أن التشهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبح آفة، وأغلب الضحايا هن النساء والفتيات، فمع التطور التكنولوجي والذي أصبح يستعمل في الأغلب للتشهير والابتزاز، والتدخل في الحياة الخاصة للأشخاص عبر نصوص وكتابات أو صور، والتي يمكن أن يكون الطرف الآخر ائتمن عليها صديقا أو خليلة أو طليقة أو زوجة، ولكن في ما بعد تصبح وسيلة من أجل التشهير في وسط عائلي، أو عملي أو في المجتمع ككل، من أجل الحط من كرامتها والتشهير بها.
وأضافت المحامية في التصريح ذاته، أن هذا الأمر كان في الأغلب سر بينهما وأصبح الآن تهديدا من طرف الجاني ومن الممكن أن يصبح ابتزازا ماديا، وتقول المتحدثة : “من خلال مهنتي، أدرس مجموعة من الملفات لنساء وقعن في هذا الفخ وتم ابتزازهن ماديا وجسديا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي والذي يدخل في الأساس ضمن العنف الرقمي، وليس على مستوى المغرب فقط بل على المستوى العالمي.
وتشدد الفاعلة الجمعوية، أن ظاهرة العنف الإلكتروني أصبح الآن يعرف بالعنف الرقمي والذي يدخل الضحية في حالة نفسية كالاكتئاب أو مغادرة صفوف دراستها، أومغادرة عملها، ويصل الأمر إلى مغادرة الحي الذي تقطن فيه إذا تعرضت للتشهير، فهذا النوع من التشهير ليس له زمان محدد أو مكان.
وتقول عضوة جمعية التحدي : “نعلم أن القانون المغربي سواء القانون الجنائي، والذي جاء بقوانين تجرم التشهير والعنف الإلكتروني، والتي حددت خاصة في القانون 103.13 الذي نص مجموعة من الفصول بالرغم من أنه لم يعرف بالعنف الرقمي، وأنا أعتبره كمحامية أو فاعلة جمعوية، شكل من أشكال العنف التي تشمل جميع الأشكال الأخرى. فهو عنف مادي، وعنف معنوي، وعنف اقتصادي وجنسي أيضا.
وتوضح المتحدثة، أنه بالرجوع إلى الفصل 447.1 من القانون 103.13 والذي هو امتداد للقانون الجنائي، الذي يعاقب على العنف الإلكتروني والذي يعتبر أن العنف الذي يتم ممارسته عبر التكنولوجيا (وسائل التواصل الإجتماعي)، حيث يعاقب هنا الجاني بعقوبة سجنية وغرامة مالية، فالفصل 447.2 يعاقب في حالة تكرار الفعل للمرة الثانية، أما الفصل 447.3 يحدد ارتفاع العقوبة، إذا كان الفاعل زوج أو طليق أو خطيب أو صديق أو خليل، أوكل من له السلطة على الضحية. فهذه الفصول أعتبرها يتيمة جدا.”
وطالبت المحامية من خلال تصريحها، إعادة النظر في المادة 103.13 مع إضافة التعريف الدقيق للعنف الرقمي لتفشي الظاهرة والذي أصبح الجميع يعاني منها كيفما كان وضعه الاجتماعي سواء على مستوى عال من الثقافة أو المنصب (سياسية اجتماعية اقتصادية).
تقول المحامية : “كنت أشتغل على ملف تدور أحداثه حول طفلة لم تتجاوز 12 سنة كانت ضحية للعنف الرقمي، قدمنا شكاية للنيابة العامة، التي تعاملت مع الموضوع بشكل جدي، فاستطعنا الحصول على أحكام جيدة، ابتدائيا واستئنافيا.”
فلسلك هذا المسار، توصي المحامية، يجب تقديم شكاية والاحتفاظ أيضا بالوثائق التي تثبت الموضوع، كالتفريغ عن طريق المفوض القضائي لأنه وسيلة للإثبات، وعدم مسح الدلائل التي توضح التشهير، فأي شخص كان ضحية لهذا النوع من التشهير أو العنف الرقمي، يجب أن يطالب بحقه، فالنيابة العامة تشتغل في هذا المسار، والشرطة القضائية أيضا والشرطة المتخصصة في العنف الإلكتروني، فنحن نمتلك طاقما يشتغل بشكل جدي في هذا الموضوع فهذا الأخير، لم يعد مسكوتا عنه يكفي أن يقدم الضحية شكاية في الموضوع ويحتفظ بالوثائق من أجل الحد من هذه الجريمة.
وناشدت الحقوقية في ختام تصريحها الإعلام، للعمل في هذا السياق فالنص القانوني موجود من أجل الحد من الظاهرة وإيصاله للمجتمع وللشباب والشبات ضروري لتوعيتهم بالعقوبات الحبسية والصرامة القانونية في هذا الجانب، وكذا البحث الذي تقوم به النيابة العامة.
وفي ذات السياق، ذكر وزير العدل أن “الشعبوية المفرطة هي أكثر ما يهدد حقوق الإنسان، لأنها تُستخدم كذريعة للمساس بكرامة الأشخاص”، مشددا على أن “المغرب سيظل ملتزمًا بحماية حقوق الإنسان ولن يقبل توظيف هذا المجال لأغراض سياسية أو ابتزازية”.
وأكد وزير العدل أن “المغرب يعتبر الدولة الأكثر تقدما في إفريقيا والعالم العربي في مجال حقوق الإنسان”، مبرزا أن المناقشات التي يجريها المغرب مع الهيئات الأممية لا تقتصر فقط على قضايا حقوق الإنسان، “بل تتأثر أيضا بعوامل سياسية تؤثرعلى هذه المناقشات”.