محمد الشمسي
جل المحامين والمحاميات لا يعلمون لجمعية هيئات المحامين بالمغرب دورا في حياتهم المهنية، فهم لا ينتخبون أجهزتها، ولا يحضرون انتخاباتها، ولا يصلهم عنها سوى شهادات السماع، والقانون المنظم للمحاماة لا يورد سيرة هذه الجمعية بالمطلق، وحده قانونها الأساسي قريب جدا في أهدافه من برنامج سياسي لحزب مغربي، حيث العبارات الفضفاضة نفسها الغارقة في العموميات من قبيل ” تنمية الوعي المهني…نشر وتعميم الدراسات القانونية والعمل من أجل …).
تعرضت هيئة المحامين بالدارالبيضاء ل”فخ انتخابي”، والذين قللوا من “المكيدة”، وتحدثوا على سلامة العملية الانتخابية للجمعية وعلى ديمقراطيتها، وأكدوا أن قافلة الجمعية تسير حتى بدون هيئة الدارالبيضاء تناسوا أصول العمل الديمقراطي الذي يقوم وجودا وعدما على حكم صناديق الاقتراع والتي لا تؤمن إلا بالأغلبية وبالتفوق العددي، وتناسوا أن هيئة في حجم الدارالبيضاء تضم قرابة نصف المحامين والمحاميات بالمغرب، هي جديرة ديمقراطيا بالأفضلية، في نظام ديمقراطي يتخذ من الكم العددي عقيدة وملة، فكيف تتم المساواة بين هيئة تضم 6000 محاميا ومحامية وأخرى بالكاد تقارب 400 منهم؟، ورغم ذلك قبلت هيئة المحامين بالدارالبيضاء أن يكون مقر تلك الجمعية خارج الدارالبيضاء، وقبلت أن تضع نفسها في ذات الكفة مع غيرها والاحتكام الى ذات القانون الأساسي رغم البون الرقمي والعددي الشاسعين.
يطرح انسحاب هيئة المحامين بالدارالبيضاء من عضوية جمعية هيآت المحامين بالمغرب نقاشا لابد وأن يكون ممرا يسير بالمحاماة عموما نحو الإصلاح الأليق بها، فمن جهة لا يجب أن تبقى مهنة المحاماة رهينة لقانون منظم لها يعتبر أشد القيود التي تغلها وتغل أهلها وتحكم على الكثير منهم ب”التيه المهني”، بداية من تبعيتها المطلقة لوزارة العدل، ومرورا بعلاقتها الملتبسة بالنيابة العامة، ونهاية بالفصول القانونية التي تنظم انتخاباتها والتي لا تجسد تكافؤ الفرص في تقلد المناصب داخل مجالس كل هيئة، سواء على مستوى الجنس حيث يستأثر المحامي (الرجل) بجل المناصب ولا يترك للمحامية (المرأة) سوى الفتات، وسواء من حيث سيطرة نفس الوجوه على تلك المناصب، دون الحديث عن غياب الحكامة بوجود محاسبات شكلية عند تبادل المهام بين المجالس المنتخبة، ورغبة جامحة في “تنويم” الجمعيات العمومية لمعشر المحامين.
تحتاج مهنة المحاماة لثورة حقيقية لهدم أعمدة المعابد القديمة وبناء صروح جديدة تنتمي لعالم بات كله في هاتف ذكي، وأعني بالمعابد القديمة ذلك الطلاء الذي اصطبغت به المهنة حين أرادوا جعلها الشمعة التي تحرق نفسها لتنير طريق المجتمع، فيلزم المحامي التطور من كائن ينزف لتحقيق العدالة، وسيزيف يحمل صخرة الآلام، إلى لاعب محترف يثور في حدود ما يسمح له به القانون بلا إفراط ولا تفريط، في زمن ربط المسؤولية بالمحاسبة، فالأطباء والممرضون لا يخرجون من مكاتبهم دفاعا عن جحافل المرضى المرابطين بمداخل المستشفيات ينتظرون تحديد موعد، والمهندسون لا يضعون تصاميم ” نضالية” لمحاربة العشوائيات، والمدرسون لا يجودون على التلاميذ بدروس الدعم.
آمل أن يكون انسحاب أكبر هيئة للمحامين من الجمعية كرة الثلج التي تتدحرج وتكبر لترتطم بأسوار وزارة العدل التي عليها أن تدرك أن دورها لا ينحصر في تنظيم المباراة وتسليم شواهد الكفاءة للمتوفين ثم رميهم نحو المجهول، آمل أن يكون الانسحاب بحساب.