محمد الشمسي
صبيحة يوم أربعاء ممطر، شد محامو الدارالبيضاء الرحال صوب قلب المدينة وقبالة مقر محكمتها المدنية لتنظيم واحدة كانت ستكون من أكبر الوقفات الاحتجاجية في تاريخ أكبر هيئة محامين بالمغرب، تفاجأ المحامون بتدوينة تخبرهم ب”إلغاء الوقفة” قبيل انطلاقها بنصف ساعة، بمبرر أن “الحياة في المحاكم عادت لطبيعتها”، حينها رجع الكثير منهم من حيث خرج، فالمهمة بحسبهم أنجزت، وما كانوا يأملونه تحقق، من أنهم يرفضون إلزامهم بجوازات اللقاح عند بوابات المحاكم لأسباب شتى.
في ليلة ذات الأربعاء يُنشر اتفاق ثلاثي جمع الرئيس الأول بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء والوكيل العام للملك ونقيب المحامين بها، يتحدث عن الاستمرار في ترديد “لازمة الإدلاء بالجواز”مع بعض “الرتوشات”، هذا “الاتفاق الثلاثي”أغضب عددا غير قليل من المحامين بالدارالبيضاء، وفرقهم قبائل وشيعا، فمنهم من قال إن هيئتهم ربما قد تكون تسرعت أو “زربت”، وأنه كان عليها أن تجيد التفاوض مع المسؤولين، وهي في موقع قوة، بعدد أعضائها الذين يشكلون نصف محاميي المغرب، وبحالة محاكمها التي تعطلت حركتها بمقاطعة شاملة غير مسبوقة لأسرة الدفاع في المدينة ذات الأربعة ملايين نسمة تقريبا، وهي عصب الاقتصاد المغربي، ثم بالنظر الى حالة الامتعاض الشديد التي تخالج وتسكن الساكنة مما يخشى معه انضمام البيضاويين لمحامييهم في مسيرات ووقفات قد يكبر سقف مطالبها ويتخطى عتبة الجواز، وأنه كان حري بهيئة في هذا المركز الاستراتجي أن تتريث وألا تكون أول المهادنين والموقعين، وآخرون يرون أن المسؤولين “زربو” على هيئة الدارالبيضاء، وسارعوا إلى احتوائها مخافة ما سبق بيانه أعلاه، وأن استهلال الانفراج بها كان مقصودا حتى “تستسلم” باقي الهيئات دون كثير مقاومة أو مناورة، ودليلهم في ذلك أنه جرى إذاعة إلغاء الوقفة قبل انطلاقها ل”وأدها” أو تفكيك مفعولها، ويؤكد هذا الفريق أن هيئة الدارالبيضاء خرجت “من المولد بلا حمص”، وأنها لم تحقق نصرا في حجم الانتظار والحماس، وأن الاكتفاء بتخفيف “شروط الدورية المعلومة” للمحامين دون تخفيفها في وجه المتقاضين يجعل أسرة الدفاع تلج المحاكم بلا موكلين، وهذا يُجهز على العدالة التي من مهام المحامي الدفاع عنها، وأنه كان على الهيئة ألا تميز المحامي عن موكله، لأن العبرة ليست بدخول المحامي الى المحكمة بل باستماتته في صون الحقوق، ويجزم هذا الفريق أن هيئة الدار البيضاء فوتت على نفسها فرصة “سقوط المسؤولين في شر أعمالهم” بدوريتهم الحاملة لفيروس النزق والتسرع، والتي شلت المحاكم ومنعت تحقيق العدل، وأنه كان على الهيئة أن تستثمر ذلك لتحقيق مكاسب كبرى مرتبطة برسائل المحاماة وقيمها التي لا تعيرها الدولة ولا الحكومة شأنا، بتشاور وتنسيق مع باقي الهيئات.
أما فريق آخر فلا زال مرتبكا مضطربا مصدوما أمام تناسل الأخبار وتناقضها وغموضها، في حين ينبري فريق أخير لا يعنيه من كل هذا غير عودته للمحاكم، ومستعد للإدلاء بجواز سفره.