محمد الشمسي
أن يحضر زعيم الانفصاليين قمة تيكاد فهذا أمر عادي، لأن الزلة التاريخية باعتراف الاتحاد الافريقي وريث منظمة الوحدة الافريقية بالميليشيات المعلومة لا تزال لم تصحح بعد، لذلك لا نلوم قيس على مشاركة كبير الانفصاليين في القمة، بل نعاتبه على إصراره الشخصي على تخصيص مراسيم غير عادية، وحفاوة حمالة لرسائل، حين يقوم بجلال قدره باستقبال رجل منبوذ ممقوت أينما وطئت قدماه قامت القيامة، ويجالسه رفقة العصابة التي ترافقه، وخرقة جمهوريتهم الوهمية مثبتة قبالة العلم التونسي الذي دنسه قيس بهذا النزق غير المبرر.
دعونا قبل هذا نعرف من هو قيس سعيد؟ وما موقعه من الإعراب في الشقيقة تونس؟ فقيس سعيد هذا علامة نكرة كبيرة في عالم السياسة، فالرجل الذي يشرف على السبعين من عمره لم يسبق له أن مارس مرانا سياسيا ولو صغيرا في أي حزب، ولم يكن لا معارضا ولا مواليا لأي رئيس أو نظام، بل يثبت التاريخ ان الرجل كان موظفا في قطاع التعليم متخصصا في “الدساتير النظرية”، ماشيا جنب الحائط، يأكل ويشرب وينام، حتى 2019 حين نط فوق بساط ثورة الياسمين، واستثمر خلو سجله من السوابق السياسية ليقدم نفسه في صورة “مُخلِّص تونس”، و نجح قيس في امتحان الرئاسة وفشل في إسعاف الاقتصاد التونسي، واستشعر ثورة عليه فاستبق الشعب وقاد انقلابه عليه، فجمد البرلمان، وأوقف العمل بالدستور، وبات يحكم تونس بمراسيم رئاسية جعلته خصما للسلطة القضائية وبقية تداعيات الانقلاب يعرفها الجميع.
راهن قيس على تفرقة الشعب التونسي الذي أعيته المسيرات، وتاق إلى الاستقرار، كما راهن على دعم قوى خارجية تصر على “إعادة ترويض الشعوب”، وعلى رأس تلك القوى النظام العسكري الجزائري ذو الأصول الإنقلابية، الذي قمع الحراك الجزائري بالعنف، فقرر قيس سعيد أن يجعل من تونس الولاية الجزائرية رقم 59، ويكون واليا فيها بمباركة شنقريحة.
وحتى بعد لعبة قيس في إخراج دستوره المبهم من تحت القبعة، بخدعة الاستفتاء الافتراضي، شعر قيس أنه مهدد في أي لحظة من طرف شعب تحدى أكثر الرؤساء بطشا وفتكا، فاختار قيس أن يأتمر بأوامر تبون وشنقريحة، واغتنم مؤتمر تيكاد ليقدم لهما أوراق اعتماده كوالي مطيع مقابل حماية كرسيه، ومباركة انقلابه، وأن يقوم وبتلك الصفة باستقبال رسمي للمنشق ابن بطوش استقبال رؤساء الدول، ويمشي الى جانبه بخطى الخذلان و الخيانة و الغدر للقواسم المشتركة التي تجمع الشعبين التونسي والمغربي من دين ودم ولغة وتاريخ، متوهما أن تنفيذه لتعليمات الكهل شنقريحة سترتق وتخيط شرعيته المهزوزة.
لقد قام هذا الرئيس بما لم يقم به حتى القدافي الذي أنشأ البوليزاريو، لكن قيس سعيد هذا لا يمثل غالبية الشعب التونسي حتى نعادي الأشقاء في تونس، هذا الكائن السياسي الهجين صورة وصوتا وتاريخا وسلوكا لا يمثل إلا زمرة من المنتفعين المصلحيين من التوانسة الذين يتلقون رواتب من جهات خارجية لإذلال شعب ثورة الياسمين، أما أخيار وأحرار وفضلاء تونس فنعرف العديد منهم استقبحوا على قيس طيشه ورعونته، وعابوا عليه عض اليد المغربية التي أحسنت وهي مستعدة لأن تحسن للإخوة في تونس ليس من باب المن والاستجداء بل من باب واجب الأخ على أخيه.
هي إذا قفزة غير محسوبة العواقب من رئيس انتخب ديمقر اطيا قبل أن يخنق الديمقر اطية وينصب نفسه “فريعنا صغيرا” (تصغير فرعون)، ثم يلحق تونس بولايات الجزائر ال 58. فقد حاول من خلالها ترميم شروخ شرعيته، فلينظر كيف حلت لعنة الوحدة الترابية للمغرب بالخصوم والأعداء، منهم من عثر عليه ميتا في بالعة، وآخرون أنفقوا مالا لبدا لتمزيق المغرب فلم يفلحوا، ولم يقتنصوا من ضحايا وهمهم غير قيس سعيد صغير الماضي والحاضر وعديم المستقبل.