محمد الشمسي
لا يجمع جنوب إفريقيا بفلسطين أي قاسم من القواسم المشتركة التقليدية والمعتمدة، من وحدة اللغة أو التاريخ أو الدم أو الدين أو الرقعة الجغرافية أو الجوار، هناك مشترك واحد ووحيد هو الإنسانية بقيمها النبيلة، ومبادئها المثلى، والتي يجب أن تتصدر كل القواسم، فهذا العالم الذي هو وطن كل إنسان، ظلم أي إنسان فيه في أي مكان هو ظلم للكل الإنسان ويجب أن يستنفر كل الإنسان، وهذا ما جعل جنوب إفريقيا — من دون دول العالم — تسجل شكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد الصهاينة العنصريين الفاشيين، جراء ما اقترفوه وما يقترفونه من جرائم الإبادة الجماعية، وجرئم ضد الإنسانية وجرابم الحرب…
لا أعرف كيف تبدو الجنائية الدولية شأنها شأن مجلس الأمن والعدل الدولية وكل الأمم المتحدة مجرد محطات من العبث الحضاري في زمن هيمنة وسيطرة أنظمة الوحشية المتعطشة لشرب الدماء وللخراب، وأرى أن الشكوى على أهميتها هي تغطية على جرائم الصهاينة بالنظر إلى تشابك الإجراءات في المحكمة المذكورة ما بين مقبولية الشكوى والبت فيها، وتداخل القانوني بالسياسي، ونشاط غير عادي خلف الكواليس، فقد لا تصدر المحكمة قرارها في النازلة إلا بعد الإبادة الفعلية للشعب الفلسطيني، وقد لا تصدر قرارا في الأمر حتى، والمبررات في هذا الشأن شتى، ولعل الصهاينة يدركون تفاصيل المسرحية فقرروا المشاركة في اللعبة من باب محاولتهم كسب نقط من المحاكمة الوهمية.
لكن دعونا نسأل ونتساءل؟ لماذا تقوم جنوب إفريقيا بهذا العمل الإنساني ولو من حيث المبدأ، ولا تقوم به إحدى الدول العربية ولا الإسلامية؟ فاللجوء إلى الجنائية الدولية كان فرصة العرب للتعبير عن أضعف إيمانهم ـ إن بقي لهم إيمان ـ لتغيير المنكر الصهيوني، وتطهير أنفسهم من رجس التواطؤ والخذلان، لكنهم لم يفعلوا، وحده الأمين العام لجامعتهم التي تفرقوا فيها شيعا، تحمس لشكوى جنوب إفريقيا، وكأنه لا يعرف مقر الجنائية الدولية، أو لا يتقن اللغة الإنجليزية، أو عدم الطاقة لخط شكاية؟ كما لم تقم بذات الخطوة تركيا أردوغان، الذي حاول الاقتيات من الحرب القذرة بداية العدوان، فلكم هدد وتوعد ثم بكم وخرس
واختفى، وكما لم تقم بذات الخطوة جمهورية إيران التي ظل مسؤولوها يجعجعون، ووزير خارجيتها يضرب الأجل تلو الأجل، ويطلق التحذير وراء التحذير، مثل شبعان يرسل الريح بلا كوابح، إلى أن بلع لسانه.
نقول لجنوب إفريقيا شكرا على شرف المحاولة، وعلى قيامك بما يمكنك القيام به داخل نظام قانوني دولي سنه الأقوياء المحتلون الظلمة العتاة…
نقول لأولئك الذين يلوثون مسامعنا بدعمهم الوهمي للمقاومة الفلسطينية، وبهديرهم المزيف، استحيوا من التاريخ، ودعوا المقاومة تكتب سطور الفخر والكرامة فهي تدافع عن الإنسانية جمعاء.