محمد الشمسي
استهلت الحكومة الجديدة مهامها، و قالت “يا فتاح يا رزاق”، فأقرت “ظهيرا تلقيحيا” على شاكلة “الظهير البربري” الذي أقره المستعمر ، وأوجه الشبه بين الظهيرين يقوم على وجود ميز وتمييز بين أبناء الشعب الواحد.
فاشتراط جواز التلقيح لولوج المؤسسات العمومية فيه تهديد لحقوق الناس ومصالحهم، يتعدى تهديد الفيروس لهم، فمع هذا “الظهير التلقيحي” لن يدخل مريض مستعجل ولا سيدة حامل في مخاضها لمستشفى، ولن يدخل قاض ولا محام ولا موظف لمحكمة، ولن يدخل ذو حاجة لمصحة من المصالح العمومية مالم يكن حاملا لجواز التلقيح، علما أن الدولة بجلال قدرها لعبت لعبة مكشوفة مفضوحة “حد الترهبين” فهي لم تجعل من اللقاح إجباريا، مرتدية زيا حقوقيا بلون حضاري، لكنها جعلت من اللقاح شرطا من شروط قضاء الحاجة في المؤسسات العامة بل وحتى الخاصة.
إذا كان اللقاح لا يمنع من الإصابة بالفيروس ولا يقي منه، ولا يحول هذا اللقاح ولو كان ثلاثيا أو رباعيا دون نقل الملَقَّح للعدوى لغيره، فلماذا كل هذه البهرجة والتصاور من أجل ذلك الجواز؟، وإذا كان غير الملقح سينقل العدوى للملقح وهذا الأخير سينفعه لقاحه في تحمل مضار الفيروس، فلماذا تخشى الدولة على الملقح من غير الملقح؟، فقد كان حري بالدولة أن تسير في اتجاه من اثنين، إما أن تجازف وتصدر قانونا ــ إن أجازت لها المحكمة الدستورية ذلك ـــ يجعل من اللقاح عملا إلزاميا بقوة القانون ويرتب عقابا صريحا، أو أن تبقى الدولة على الحياد ما بين الملقحين وغير الملقحين، وتجعل في أسوأ الأحوال شبايبك أو أجنحة أو شعبا في مختلف الإدارات العمومية خاصة بغير الملقحين، رغم أن الفريقين يلتقيان في وسائل النقل المزدحمة وفي الحمامات وفي الأعراس وفي المقاهي بل وفي داخل البيت الواحد.
وللإشارة فأنا من الفئة التي اختارت التلقيح لأسباب ومبررات تهمني وحدي ولا تلزم من يخالفني في الأمر، لكني أدافع عن الفئة التي اختارت ألا تأخذ جرعات ذلك اللقاح، لأن هذه الفئة ترى أن الجسد جسدها وهي وحدها دون غيرها من يقرر ما يدخل له ومالا يدخل له ولو كان ترياق الحياة نفسه، فإنه من أبسط حقوق الإنسان أن نحترم رغبة هؤلاء في قراراتهم حيال أجسادهم لا سيما أمام لقاح يكتنفه الغموض هو و فيروسه، وقد تلوم الدولة نفسها على فشلها في الترويج الناجح والجيد للقاح و إقناع الجميع بجدواه، سيما وأن هذا الفيروس كما يقول المختصون مرتبط تهديدا ونجاة بحجم وقدرة مناعة الجسم، فهل من العلم في شيء تلقيح فئة خائفة من اللقاح؟، ألن يؤدي إكراهها على ذلك الة ضرب مناعة جسمها بما يسهل تسلل الفيروس إليه؟.
لا ندري كيف يكتسح الفيروس حينا ثم لا يلبث أن يتقهقر أحيانا؟ ولا نجد مفسرا ولا موضحا، لأن القضية تتجاوز الجميع، ولا ندري ما الغاية من الإكراه الضمني للناس كي يتلقحوا ونحن نعلم أن اللقاح مثل حزام السلامة لا يقي من حوادث ولو أنه يخفف الأثر، ولا ندري هل يسمح القانون بحقن الشخص بمصل أو دواء ضد رغبته؟، ولا ندري لماذا يصر البعض على إحياء الذكرى المشئومة للظهير البربري ببناء جدار وهمي ما بين الملقحين وغير الملقحين؟…وفي الأخير لا ندري أي الفريقين في الضفة الأبهى، فقد ينفع اللقاح أمام الفيروس لكنه قد يجلب معه ما هو أسوأ من الفيروس و” درناها في يد الله، والله يحضر السلامة وصافي”.