محمد الغول
لا أظن أن أحدًا منا كمواطنين في هذا الوطن ، أفلت يوما من هذا النوع من الإبتزاز اليومي ، الذي نتعرض له صاغرين لأسباب عدة ، سنعددها في معرض حديثنا عن هذه الظاهرة العجيبة ، التي تغزو شوارعنا و حوارينا، و تستفحل كلما أزمنت مظاهر أزمتنا الإقتصادية و الإجتماعية ، الأمر يتعلق بظاهرة حراس السيارات الذين ينبتون بسحناتهم المشوهة في مدننا كالفطر .
يمكنك أن توقف سيارتك بسلام في أي شارع من شوارع الوطن بسلام و بكل حرية ، لكن بمجرد أن تعود إليها لتغادر ، ولو بعد دقيقة واحدة ، أو حتى لو بقيت بداخلها في إنتظار أن يقضي أحد أفراد أسرتك أو أصدقائك غرضا ما ، ينبعث معك فجأة و من العدم شبح يلبس صدرية صفراء ، و بسحنة و لغة متوحشة ، مادا يده في أمر و ملامح ، تؤكد شيئا واحدا لا ثاني له ، أنك لن تغادر بسلام إن لم تدفع ، و سيكون من حسن طالعك أن يقبل بما قد تدفعه ، و لا تسمع منه تلك الهمهمة العجيبة ، التي تجمع بين الحشرجة و السباب و التهديد و الغضب في مزيج عجيب .
هذه الظاهرة التي تزيد إستفحالا في شوارعنا ، إلى درجة أنك يمكن أن تتعرض للإبتزاز من أشخاص مختلفين ( بصدريات صفراء ، تحمل ماركات إشهارية ) في نفس الشارع و بمسافات قصيرة ، بضعة أمتار بين موقع و آخر ، قد يقول البعض لماذا تدفع لهم ؟ ، أنت تشجعهم بذلك ؟ ، و قد يبدو هذا الكلام منطقيا ، و لكن عند تقدير المواطن للمخاطر ، يتراجع و بسرعة نفس المنطق و يدفع ، فسيارتك تصبح معرضة لكل أنواع مخاطر السرقة و التخريب ، و في أي لحظة إذا فكرت أن لا تقبل بهذا الإبتزاز و أن لا تدفع ، و الغريب كيف أن تترك السلطات المواطنين لمصيرهم أمام هذه البلطجة ، حتى أن الأمر وصل إلى حدود سوريالية في بعض المدن ، عندما فوضت سلطاتها تدبير عمليات التوقف في شوارعها ( رغم عدم قانونية الأمر ) لشركات خاصة ، وجد المواطن نفسه أمام إبتزاز مزدوج ، إبتزاز حراس الشركات ، و إبتزاز بلطجية الشوارع ، الذين لا يعترفون بأي سلطة أو قانون .
الأمر قد يتقبله المواطن عندما يتعلق بالآداء في مقابل خدمة ، مثلا عندما يتعلق الأمر بحراسة ليلية للسيارات ، بشكل منظم و إتفاقي ولو في حدوده الدنيا ، لكن ما يحدث حاليا منكر حقيقي ، فمجموعات من المنحرفين و ذوي السوابق تتجول في مدننا ، تحمل في جيوبها صدريات صفراء ، قد يتوقف في أي شارع مكتظ بسيارات المواطنين ، و يدلي عليه بالصدرية ، و يبدأ جبايته البلطجية ، و قد يغادر عندما يكتفي أو يجد أن غلته تكفيه حاجته اليومية من مواد إدمانه ( مخدرات ، كحول …) ، بعض هؤلاء يتحركون في مجموعات لضمان الحماية ، وفرض مزيد من الخوف على المواطنيين ، وسط غياب حقيقي للأمن ، وحتى في حالة إستدعائه ، يكتفي بتسجيل محاضر ، لا تمنع بلطجي الشوارع هؤلاء من الإستمرار في غيهم ، و ربما بوحشية أكبر في حق المواطن المشتكي بهم .
هذه الظاهرة ، بدأت بإستشرائها الوحشي في شوارعنا ، تسائل السلطات بشكل حقيقي و مستعجل ، و تستدعي تحركا لإنقاذ حرية المواطن في التحرك بسلام و أمن في شوارع الوطن ، قبل أن تتحول إلى حروب يومية صغيرة ، المجتمع في غنى عنها بمشاكله المتعددة ، صوت المواطن المنزعج و الغاضب من هذه الظاهرة ، بدأ في الارتفاع بظهور مجموعات إفتراضية قابلة للإنتقال الى الواقع ، تشجب و تندد و ترفض قانون البلطجة هذا ، الذي تعيشه شوارعنا ، فهل من آذان صافية .