محمد الهيني
الذي يُطالع تدوينة “الشبّيحة” التي دَبجها المعطي منجب في حسابه الفايسبوكي، يخرج بقناعة راسخة مؤداها: أن هوس الرجل ب”المخزن” و”تمثلاته للنضال” قد دخل مرحلته المرضية المتقدمة، وصار “رهابا” يتوهم فيه الناس وكأنهم ” شبيحة يطوفون بالحمى في جنح الظلام”، ويتوسم فيه المغتصب وهاتك عرض الضحية محمد آدم مظلوما، ويتصور فيه مغتصب النساء الأجيرات والمستخدمات والصحافيات بأنه “الحلقة الأضعف في معادلة الاغتصاب مقابل العمل”.
و”رهاب” المعطي منجب، تجاوز كل أعراض وتوصيفات “الفوبيا المرضية”، إذ صار يتوهم نفسه صورة محينة للمهدي بن بركة، ونموذجا راهنيا للحسن اليوسي، وذكرى نضالية من زمن محمد كسوس وأحمد بن جلون، بل إنه تجاسر وقدّم نفسه صورة ذكورية من شخصية البتول بنعيسى بنحمو، التي تضاربت بشأنها الروايات التاريخية، وسعاد المنبهي التي وصفها الشاعر عبد الله زريقة ب”المرأة التي أحبت الضوء”.
و”رهاب” الرجل مطبق في التوصيف والتشخيص والأعراض، لأنه يعتقد جازما بأنه يدافع عن الضحايا والمظلومين، بيد أن سليمان الريسوني هو متهم في قضية وطئ شاب يافع بالعنف مع الاحتجاز، وتوفيق بوعشرين أدين جنائيا في قضية اغتصاب ممنهج لنساء مكلومات، وهشام المنصوري كان يغرر بسيدة متزوجة وكان زوجها العسكري وأطفالهما هم الضحية، وهكذا دواليك في باقي القضايا الجنائية التي اصطف فيها المعطي منجب إلى جانب المتهمين على حساب الضحايا، مدفوعا في ذلك ب”فصام ورهاب” مرضيين.
لكن المسترعي للانتباه، هو أن حالة المعطي منجب تبقى عصية عن الفهم، عاصية عن التقييم. فهو يتصور متوهما خرجاته الإعلامية المتواترة في وسائط الإعلام البديل وفي الصحافة الوطنية والدولية بأنها جلسة من جلسات “التعذيب الجسدي”، والتحويلات المالية الدافقة في حسابه الشخصي وكأنها “خازوق” من أيام التنكيل العثماني، وأن اتصالاته الخارجية التي يجريها بأريحية مع “سماسرة حقوق الإنسان” إنما هي ضرب من ضروب سياسة الاحتراز في عهد السلطان مولاي سليمان. بل وصل به “الرهاب” حد اليقين بأن أملاكه العينية والعقارية هي ربما “ضريبة ووزر دفاعه المفترض عن الضعفاء والمستضعفين”.
فالمعطي منجب الذي يتمثل نفسه اليوم في صورة الحسن اليوسي ومحمد كسوس، يستنكف عن المجاهرة علنا بأنه يشرعن راتبه الشهري رغم أنه لا يزور مدرجات الجامعة إلا لِـمَاما. فهل “الشهادة” من أجل سؤدد الوطن تبيح وتستبيح أموال دافعي الضرائب دون النهوض بأعباء التعليم الأكاديمي؟ وهل استحضار ذكرى المهدي بن بركة تسوغ إقصاء الضحية محمد آدم من الحماية القانونية وطلب الانتصاف القضائي، بدعوى أن المتهم هو صحفي صديق وزميل مؤسس في “الحرية الآن”؟
وإذا كانت المعاناة في قاموس المعطي منجب تعني “التظلم من الطواف على أملاكه العقارية”، فأعتقد أن أكثر من نصف المغاربة سيبتهلون إلى مفرق الأرزاق، بقلوب وجلة وأكف ضارعة، بأن يهبهم معاناة هذا الرجل! لأن لا أحد سيرفض “تعذيبا بطعم التحويلات المالية وبنكهة الممتلكات العقارية، بل وأكثر من ذلك، يحرسها الطائفون المتطوفون ولا ينزعونها باسم القانون أو بدونه”.
فالمعطي منجب الذي يأسى ويتأسى بالحسن اليوسي وأحمد بنجلون وسعاد المنبهي وغيرهم ممن شاركوا في السجال السياسي إبان وغداة فجر الاستقلال، يجهل أو يتجاهل حتما بأن النضال من أجل حمى الوطن لا يقبل المزايدة ولا العائد المالي، وبأن مخاصمة سياسات الدولة لا تعني خصام الوطن، ولا تسمح بالاستقواء بوجوه سياسية أو حقوقية أجنبية مغمورة لضرب صورة الوطن بمباركة “شبيحة النضال وبلطجية لجان التضامن المعدة في طنجرات الضغط السريعة”.
والوجوه السياسية التي استحضرها المعطي منجب من وحي التاريخ وبوح الذاكرة، لم يثبت أن زايدت يوما على الوطن رغم الظروف والتحديات والمحن، مثلما يقوم به البعض اليوم، ولا راكمت الثروات والممتلكات كما يراكم بعض أشباه المناضلين اليوم، ولا قامت بتأجير النضال من الباطن لأشخاص من جنسيات أجنبية مثلما يمعن صديقنا في القيام بذلك اليوم. فمجرد مناجاة ذكرى هؤلاء في سياق تدوينة المعطي منجب، هو إجحاف في حقهم، وتبخيس لرصيدهم المعنوي. ففي الوقت، الذي كان فيه رفاق أحمد بنجلون بالسجن ينظفون أخمص قدميه من ندوبها، يؤثر المعطي منجب اليوم مراكمة “وسخ الدنيا”، وبينما سلمت سعاد المنبهي حقها في الحياة للدفاع عن مغرب الديمقراطية، ها هو المعطي منجب يستجدي تدخل الأجنبي للتأثير على القضاء المغربي في قضية اعتداء جنسي.
إنه النضال الجديد بمفهوم المعطي منجب ومن معه، وهو أن يراكم المرء الثروات ويفتعل الثورات، وأن يطالب باحترام حقوق الإنسان ويجزأ منها حقوق الأقليات، وأن يناضل من أجل التخليق ومكافحة الفساد وهو يرفل في أموال الفساد، وبأن ينافح من أجل عدم إفلات المجرمين من العقاب، ما لم يكن من بينهم توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني، وبأن يجاهر بالإصلاح والتخليق وتجويد التعليم، وهو أول من يضرب عن الطعام لمجرد مطالبته بالرجوع إلى فصول التدريس… فعلا إنه “زمن شبيحة النضال والتيه الحقوقي”.