مشكلة كثير من الخلق أنه لم يعد لديهم مهرب من محمد زيان. فأينما يكونوا يلاحقهم في صحف الورق والأسافير وقنوات التلفزة ليفسد عليهم أيامهم. وأكاد أجزم أنه لم يسبق لهم أن رأوه في غير حالته المعهودة متشنجا وصارخا كأنه يعلن قيامة الخلق لبشر طالت بهم الغفلة وسوء الظن.
ولكن لماذا يصرخ زيان دائما ويتظاهر بأنه سيسقط في أوانه من شدة الاعياء وقهر الظالمين. الأرجح أن ما يعانيه ليس إلا ضربا من متوالية “العياش الذي أصبح عدميا”. فحين كان وزيرا كان يعرف حد الإتقان كيف يبقي فمه مفتوحا بما يكفي لمرور الهواء. وهاهو يذهب من النقيض إلى النقيض ويصبح عدميا لا يخلع نظارته السوداء حتى عندما ينام. ولأن العدمية والسوداوية قرينان، يعجز زيان عن رِؤية أي شيء في هذه البلاد يدفعه ليعلن أن “العام زين”. ولأنه يبدأ صباحه بالبحث عن المؤامرات ويذهب إلى نومه راجيا أن يحلم بما تيسر من الكوارث والآفات يرى خفيف العقل أن المغرب ساحة مفتوحا لتمارين الفساد والرشوة وخيانة الأمانة وكل ما لا يغفره الرب والناس.
ومع أن زيان لا يختلف عن من بدلوا المواقع والكراسي والنوايا إلا أنه ينفرد بما اجتمع فيه من شعور السياسي الفاشل بالإحباط والهزيمة النفسية وشعور الغلبة والتفوق الذي يخالج المحامي الذي لا يتورع عن الدفاع عن الشيطان.هذان النموذجان لا يتقاطعان في زيان فحسب ولكنهما يوحدان لغته المرتكزة على المزايدة الفارغة واللجاج وقطع الطريق على الحق والحقيقة والاستخفاف بآراء وأحكام الآخرين. وإذا كان زيان قد اخلف موعده مع الريادة السياسية باستعمال رافعة الحزب الليبرالي الذي ولد في غير هيئة نظرائه، فانه يراهن الآن على عدميته وسوداويته ليشغل البلاد والعباد بمرافعاته المسرحية قصد أن يصبح هو الشاهد والقاضي والحضور لعله يصبح في مقتبل الأيام صنما يعبده الجاهلون.
إن الجبة الواسعة التي أسدلها علينا دستور 2011 تمنح حتى لأمثال زيان حرية أن يبتعدوا عن الثوابت ليهرطقوا كيفما يريدون ولكن بدع زيان لا تعرف المسلمات والحدود الدنيا من الأدب واللياقة بشاهد أنه يهدد الآن برفع دعوى دولية ضد رئيس النيابة في قضية الصحفي بوعشرين.
شخصيا، لا أملك إلا أن أتعاطف مع رجل يتجرع كل يوم مرارة الطرد من جنة “العياشة” دونما خيار سوى الهبوط إلى جحيم العدميين المحرومين ، باختيارهم ، من نعيم الانتماء إلى الوطن.وحيث يوجد زيان الآن، ليس ثمة فضاء أفضل لممارسة العدمية الليبرالية التي تبيح لمريديها حق التظاهر بالجنون قبل قطع المشيمة التي تشد وثاق المغاربة بوطنهم الذي يراهن على أن تصبح كل أيامهم “زينة”.