محمد شقير
أثارت كبسولات الكُوميدي محمد باسو اهتماما واسعا من طرف جمهور الفيسبوك من خلال ملايين المشاهدات التي استحسنت حلقات سلسلة “س الكالة ” التي أطلقها هذا الفنان الساخر المتميز خلال شهر رمضان.
فقد حظيت الحلقات الأولى من هذه السلسلة الكوميدية والتي تعرض حاليا على قناته الشخصية بموقع “يوتيوب”، باستحسان كبير وتفاعل واسع من طرف المتفرج المغربي، نظرا لمعالجتها أحد أكثر الظواهر الحساسة التي يعاني منها المجتمع، والتي تختزل ظاهرة ما يطلق عليه المغاربة “باك صاحبي”.
كما حازت هذه السلسلة بمتابعة صحفية خاصة من طرف العديد من المواقع الإلكترونية التي استضاف بعضها محمد باسو الذي صرح بأن “فكرة السلسلة بكل بساطة جاءت امتدادا للمحتوى السابق “ناطق غير رسمي”، الذي عالج مواضيع متعلقة بالسياسة، وأيضا تشخيص لرجال السياسة الذين يتحدثون دائما بلغة الخشب” وقد تقمص محمد باسو في هذه السلسلة شخصية هزلية أطلق عليها اسم “ناطق غير رسمي”، تُحاكي الأدوار التي يقوم بها الناطق الرسمي باسم الحكومة بعد انعقاد جلسة المجلس الحكومي، حيث يُجيب باسو عن أسئلة الصحافيين بنكهة كوميدية تحمل رسائل عديدة، في قالب هزلي حول مجموعة من المواضيع والمستجدات التي تعرفها الساحة الوطنية، من بينها ظروف تنظيم الانتخابات، وإجبارية جواز التلقيح، إلى جانب ارتفاع الأسعار، وكذا اتخاذ الحكومة العديد من القرارات دون أخذ آراء المواطنين بعين الاعتبار، وغيرها المواضيع .
لكن المثير في مختلف الحوارات التي أجراها محمد باسو الذي تحدث عن انتهاجه للكوميديا السياسية هو اغفاله ذكر أحمد السنوسي المعروف ببزيز، أحد رواد السخرية السياسية بالمغرب . لكن مما يزيد من الاستغراب هو أن الصحفيين بدورهم أغفلوا طرح أية أسئلة حول مظاهر أي تشابه بين كوميديا باسو السياسية ومقارنتها بالسخرية السياسية التي انتهجها بزيز لسنوات وعانى خلالها من كل أشكال التضييق الإعلامي والتلفزي وإكراهات المنع الإداري.
فإذا كان الكُوميدي محمد باسو قد برر بث سلسلته على “يوتيوب” كبديل لطرح مجموعة من المواضيع في قالب كوميدي ساخر بالرقابة المُمارسة على الأعمال الفنّية في التلفزيون حيث أن الشخصية الكُوميدية للفنان لا تظهر في التلفاز، لأنه محاط بالكثير من الإكراهات، في مُقدمتها الإخراج والسيناريو الذي يتضمن الكثير من الرقابة”، فإن بزيز استطاع ، رغم كل أشكال المنع السياسي وأنواع التضييق الإداري، والحصار التلفزي؛ أن يحظى، كفنان ساخر، بشعبية كبيرة خاصة بين أوساط الطلبة والمثقفين، من خلال ليس فقط مشاركته في بعض المهرجانات والأسابيع الثقافية التي كانت تنظمها تعاضديات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سواء بالجامعات المغربية أو بالخارج؛ أو من خلال تنظيم بعض العروض الساخرة في القاعات العمومية التابعة لبعض الجماعات المحلية، بل أيضا من خلال مجموعة من الأشرطة التسجيلية.
وبهذا الصدد كتب الصحفي الفرنسي تيكوا بهذا السياق ما يلي:
<< يبدو من المفارقة؛ أن الصمت الذي فرض على هذا الفنان لم يؤثر بشكل كبير على شهرته داخل بلده. بل على العكس: TAJNIID F AR 250 فالرقابة قد ساهمت وحافظت على شهرة بزيز. فهو معروف أكثر من شخص الوزير الأول في الشارع العام. كما أن شهرته تجاوزت حدود البلاد؛ حيث أن المهاجرين المغاربة بالخارج عادة ما يتعرفون عليه… فبزيز هو الملك الآخر فيما يخص المسرح الشعبي المغاربي. فشعبيته لا تتغذى فقط من العروض القليلة التي يقدمها؛ بل من أشرطة هذا الفنان الساخر التي يتم تداولها في سوق الكاسيط بأثمان مناسبة… >> أما الباحث حسن البحراوي فقد أشار بهذا الصدد إلى ما يلي:<< أمام ظروف الحجز ، التي ظلت تمنع السنوسي من تقديم أعماله في عروض حية للعموم، أو مسجلة للتلفزيون، نجده قد اهتدى إلى وسيلة لإطلاع جمهوره على ما ينجزه تباعا من عروض ساخرة… وهي طريقة الكاسيط المسموع، والموزع تجاريا في الأسواق، وقد تم له باستخدام هذه الطريقة بلوغ الأوساط الواسعة من المهتمين الذين رحبوا بهذا الأسلوب العملي الذي انتهجه الفنان السنوسي في تصريف إبداعه من السخرية اللاذعة التي تحولت مع مرور الوقت إلى موعد دوري يضربه لمحبيه وعشاق فنه. > وهكذا يمكن تلخيص الأعمال الساخرة التي سجلها بزيز في مجموعة من الأشرطة يمكن أن نذكر من أهمها: عرس الذيب (جزءان) ، السوارت، الفيزوالباليزا، مسمار جحا، الماء في الرملة، الوحلة ، سهرة الأخبار، بورشوة …وقد تضمنت هذه الأشرطة، التي سجل جلها أمام الجمهور خلال عقدي الثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لوحات ساخرة كان ينتقد فيها بزيز بعض الأوضاع السلبية لمظاهر سياسية واجتماعية كتشدد السلطة في مراقبة المواطنين وكبت حريتهم في التعبير؛ والفساد المستشري في مختلف دواليب الدولة؛ والقمع المسلط على المعطلين والهجرة بمختلف أشكالها. بالإضافة إلى مواضيع أخرى تهم الوضع السياسي العربي كالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والعدوان الأمريكي على العراق.
وغالبا ما كانت هذه الأشرطة عبارة عن مونولوجات حول عدة مواضيع آنية أو تغمز إلى قضايا طفت إلى المشهد السياسي، واستأثرت باهتمام الرأي العام الوطني مثل قضية العميد الممتاز ثابت في سنة 1993؛ أو إجراء الانتخابات التشريعية لشتنبر2002؛ أو بعض الإجراءات التي اتخذتها حكومة اليوسفي؛ كالتحقيق في ملف الاختلاسات التي عرفها القرض العقاري والسياحي، والقرض الفلاحي، أو القمع الذي طال بعض مسيرات ومظاهرات المعطلين ذوي الشواهد العليا إلى غير ذلك من قضايا الساعة التي كانت تعرفها الساحة الوطنية.أما طريقة بزيز في تناول هذه المواضيع؛ فغالبا ما كانت تجمع بين المونولوج والموسيقى والأغنية بلغة شعبية وبسيطة.
وهكذا كتب تيكوا بهذا الصدد أن بزيز هو مزيج بين كليش (Coluche)، ودارفوتو (Darvoto) ، وفردناند راينو (Fernant Raynand). فعلى غرار رايمون ديفوس (Raynand Devos) )؛ كانت فكاهة بزيز تجمع بين مونولوجات مطعمة بقطع موسيقية. فهو يتكلم كما يغني ويغير ملابسه كما يغير شخصيته؛ ويقفز من العربية إلى الفرنسية.أما سخريته فتتكون من مجموعة من المواضيع المستوحاة من الحياة البسيطة واليومية لمواطنيه. فبزيز كان يلعب بالكلمات؛ ويعلق على الأحداث السياسية والاجتماعية… ويتخذ من بعض المظاهر السلبية للحياة الإدارية والسياسية كالرشوة؛ والعراقيل الإدارية؛ وانعدام العدالة؛ وازدراء الحكم للشعب، والبطالة مادة للإضحاك والتسلية…
>> وبالتالي ، فقد كان من الغريب أن يتم التعامل مع كبسولات باسو وكأنها انطلقت من فراغ فني يقفز على تجربة فنان ساخر يمكن اعتباره بالدرجة الأولى رائد السخرية السياسية بامتياز.