نشرت صحيفة “ميدل إيست أونلاين” خلاصة من بحث أجراه الباحث المغربي محمد مصباح تحت عنوان “الجهاديون المغاربة في سوريا”، ضمن كتاب صدر في يوليوز 2017 حول “عودة المقاتلين من بؤر التوتر”، الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي. ويتحدث محمد مصباح عن كون شبكات التواصل الاجتماعي أضحت أداة فعّالة للدعاية للإيديولوجيا الجهادية وأداة للتواصل مع “الزبائن” المحتملين، إذ ينشئ الجهاديون الملتحقون صفحات على موقع فيسبوك.
يمكن ملاحظة أن أصول أغلب المتطوعين من الناحية الجغرافية تتحدر من مختلف مناطق المملكة، إلا أن تسليط الضوء على التوزيع الجغرافي للمناطق التي تصدّر الجهاديين يشير إلى أنه في حدود سنة 2014 هيمنت مناطق بعينها على تصدير جهاديين أكثر من مناطق أخرى. وهنا تبرز المناطق الشمالية والغربية للمملكة، وخصوصا مدن سبتة ومليلية وطنجة والمضيق (مدينة الفنيدق) وتطوان وسلا والبيضاء وفاس. وتشير المعطيات التي توفرها الإدارة العامة للأمن الوطني سنة 2014، التي نشرتها جريدة “إلموندو” الإسبانية إلى أنه من أصل 1200 جهادي مغربي موجود في سوريا، فإن مدينة طنجة جاءت على رأس المدن المغربية التي تصدّر الجهاديين بحوالي 16%، متبوعة بمدينة فاس بحوالى 15%، ثم الدار البيضاء 14%، ورابعا تطوان بنسبة 13%، وسلا بـ9%، أما باقي المدن الأخرى فتصدر حوالي ثلث المقاتلين (32%).
انطلاقا من هذه المعطيات، يمكن تسجيل ملاحظتين: الأولى تتعلق بهيمنة مدن الشمال على مستوى تصدير المتطوعين نحو سوريا. فمدينتا طنجة وتطوان، اللتان تضمان كلاهما ساكنة لا تتجاوز 1.5 مليون نسمة، أسهمت في تصدير حوالي 30% من المقاتلين المغاربة المتوجهين نحو سوريا، وهي -تقريبا- النسبة نفسها التي أسهمت بها كل من الدار البيضاء وفاس مجتمعتين، واللتين تضمان ثلاثة أضعاف الساكنة مقارنة مع طنجة وتطوان. الملاحظة الثانية هي أن هناك اختلافا على مستوى نسبة المقاتلين بالنسبة للساكنة العامة في المناطق التي يتحدرون منها. فإذا اعتمدنا فقط على ما توفره المعطيات الرسمية، فإن مدينة تطوان تشكل النسبة الأعلى بالنسبة لعدد المغاربة الموجودين في سوريا، مقارنة مع عدد ساكنة المدن التي يتحدرون منها. فمن أصل حوالى 550 ألف نسمة، سافر أكثر من 150 تطوانياً والتحقوا بالجماعات المسلحة في سوريا، وهي نسبة تمثل حوالي 28 في 100 ألف نسمة، وهي الأعلى في المغرب مقارنة مع مدن أخرى. تليها مدينة طنجة بحوالي 18 في 100 ألف، ثم فاس بـ15 مقاتلا في 100 ألف. في حين لا يتجاوز العدد 5 في 100 ألف، بالنسبة لمدينة الدار البيضاء. أما نسبة المقاتلين بالنسبة لمجموع الساكنة في المغرب فلا تتجاوز 3.5 في كل 100 ألف.
وتعتمد عملية الاستقطاب على شبكة العلاقات الأولية، التي تضم علاقات القرابة والجوار والعمل والصداقة. فالمعرفة الشخصية المسبقة بين المتشددين وبين “الزبائن” المحتملين تخلق وضعية ثقة،رما يسهّل عملية التجنيد. يكون الاختلاف فقط على مستوى الأدوات والطرق المستعمَلة للاستقطاب. ويمكن في هذا الإطار التمييز بين طريقتين للاستقطاب، أولا: عن طريق المقابلة المباشرة (face to face) بين الطرفين في العالم الحقيقي، وتعتمد أساسا على شبكات العلاقات المسبقة المنسوجة بين الراغبين في الالتحاق وبين شبكات التسفير. ثانيا: عن طريق الاستقطاب عن بعد عبر الإنترنت، إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورا أساسيا في إستراتيجية التنظيمات الجهادية لاستقطاب الجهاديين. وتشير إحدى الدراسات حول المغاربة المقاتلين في سوريا، والمتحدرين من مناطق الشمال الغربي للمملكة، إلى أن حوالي 60%)من المبحوث عنهم تم استقطابهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، في حين تم الباقي وجهاً لوجه. وبالنسبة لشبكات التواصل الاجتماعي فقد أضحت إحدى الأدوات الفعّالة للدعاية إلى الإيديولوجيا الجهادية، وهي أيضا أداة للتواصل مع الزبائن المحتملين، إذ ينشئ عدد من الجهاديين الملتحقين بسوريا صفحات لهم على موقع فيسبوك ويتواصلون يوميا مع أصدقائهم المغاربة لتحفيزهم على الالتحاق بهم.
لفهم هذه الظاهرة وانتشارها في هذه المناطق، يمكن الإشارة إلى مجموعة من العوامل ذات الطبيعة البنيوية والظرفية:
تجدر الإشارة أولا إلى سيرورة التَّحضر (Urbanisation) السريعة التي عرفتها المنطقة خلال العقود الماضية، ففي 2004 كان عدد الساكنة في مدينة طنجة حوالي 750 ألفاً، وبعد عقد من الزمن أصبح العدد يتجاوز مليون نسمة. أما مدينة تطوان فكان العدد حوالى 318 ألفاً سنة 2004 وأصبح أكثر من 550 ألفاً سنة 2014. وهذا التطور السريع في البناء العمراني لم يواكبه تطور على مستوى البنيات الاقتصادية لامتصاص الطلب المتزايد على سوق الشغل، ما أدى الى ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب، وهي الأكبر مقارنة مع المناطق الأخرى من المملكة. وبما أن البطالة، وبالخصوص بطالة الشباب، منتشرة أيضا في هوامش مدينة الدار البيضاء، فإن مدن الشمال تعاني أيضا من مشكلة الاقتصاد غير المهيكل، الذي يتغذى بزراعة المخدرات. فمن جهة، أسهم غسيل أموال المخدرات واستثمارها في قطاع العقار في تضخم الطلب على العقارات، والتي أدت بدورها إلى ارتفاع في مستوى المعيشة في هذه المناطق.
وفي الحقيقية، فإن الفقر وغياب البدائل الاقتصادية دفعا الشباب نحو الاشتغال في القطاع غير المهيكل. فالجزء الكبير من الشباب الذي يتم استقطابه يكون إما عاطلا عن العمل أو يشتغل في الاقتصاد غير المهيكل، لاسيما أنشطة التهريب من إسبانيا. ومن ثم فقد لاحظنا أن عددا مهمّا من هؤلاء الملتحقين بجبهات القتال في سوريا هم من الأشخاص الذين كانوا يشتغلون في قطاع المواد المهربة ومن البائعين المتجولين والبائعين على الأرض (الفرّاشة).
الطريق نحو داعش
تختلف ولاءات الجهاديين المغاربة وتتغير حسب المتغيرات الإيديولوجية والتكتيكية هناك في سوريا. يظهر هذا الاختلاف في طبيعة الولاءات الإيديولوجية والخيارات البراغماتية التي تحدد بشكل مهمّ الخيارات نحو الالتحاق بالجماعات المسلحة.
التحق الفوج الأول من المغاربة بالثورة السورية في مرحلة مبكرة من سنة 2012، وكان أغلبهم في البداية من المنضوين تحت لواء “القاعدة” في العراق. وبعد ذلك، بدأت أفواج من الشباب تلتحق تدريجيا من داخل وخارج المملكة. قاتَل هؤلاء في البداية إلى جانب “جبهة النصرة لأهل الشام”، بقيادة أبي محمد الجولاني، التي تأسست أواخر سنة 2011، وتطورت قدراتها العسكرية والمالية بسرعة ما منحها شهرة في صفوف المجموعات المسلحة في سوريا. ودخلت “جبهة النصرة” في تحالفات مع عدد من الفصائل المعارضة ونفذت عمليات نوعية، أبرزها تفجير مبنى قيادة الأركان في العاصمة دمشق في أكتوبر 2012، ونسف مبنى نادي الضباط في حلب، ما رفع رصيدها النضالي في صفوف المعارضين السوريين وحفز الكثير من المقاتلين للالتحاق بها.
وقد وقع تغير ثان منذ صيف 2013 مع مأسسة العمل المسلح لمغاربة سوريا، والذي اتخذ شكله التنظيمي في “حركة شام الإسلام”، بقيادة إبراهيم بن شقرون –معتقل سابق في سجن غوانتانامو- التي تعدّ الوعاء الأكبر للمتطوعين المغاربة في سوريا، خصوصا من المعتقلين السلفيين السابقين الذين كانت تربط بينهم علاقات صداقة في السجون المغربية. لقد كان لتأسيس “حركة شام الإسلام” دور في تعزيز استقطاب موجة ثانية من المهاجرين إلى الساحة السورية، والتي تزامنت مع فتوى “علماء الأمة الإسلامية” في القاهرة في منتصف يونيو 2013، والتي دعت إلى وجوب “النفرة والجهاد لنصرة إخواننا في سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع الجهاد والنصرة”، إضافة إلى ما وصفه بعض العائدين من سوريا بقوله “ذهبنا لمساعدة الشعب السوري بعدما رأينا ملك البلاد والحكومة المغربية وعلماء الأمة الإسلامية، ومنهم مغاربة، يدعمون القضية السورية”.
ضمت “حركة شام الإسلام” بين 500 و700 مقاتل، وكانت في تلك الفترة تعتبر الوعاء الأول للمقاتلين في سوريا، وهي تنتمي فكريا إلى تيار السلفية الجهادية، ولكنها تدّعي في الوقت نفسه الاستقلالية التنظيمية عن تنظيم القاعدة، إلا أنها مرتبطة فكريا معها. وقد صنفت الخارجية الأمريكية “حركة شام الإسلام” حركةً إرهابية. ووضعت “حركة شام الإسلام” ميثاقا اعتبرت فيه أن الجهاد ليس موجها ضد من سمتهم “الغزاة” فقط، بل يشمل دائرة أوسع، وهي دائرة الردة، واعتبرت أيضا، في هذا الميثاق، أن كل مبادئ المذاهب الفكرية، من شيوعية واشتراكية وقومية وعلمانية وليبرالية، وغير ذلك من أوجه الانتماء الفكري والعقائدي إلى غير ملة الإسلام وهويته، هي دعوات “كفر وضلال”. كما عملت على تأسيس معهد تكوين ديني يوازي العمل الإغاثي والعسكري، الغرض منه تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية والحساب والإنجليزية تحت شعار “جيل التمكين”.