تؤدي الجاليات المسلمة في أوربا الثمن غاليا بعد كل عملية إرهابية تستهدف بلدا أوروبيا، فإذا كان الإرهاب الإسلامي يستهدف أساسا، وبشكل مدان ولاأخلاقي، إرهاب الغير وفي عقر داره، فإن نتائجه المباشرة هي الإضرار إيما إضرار بالمصالح المباشرة للجاليات المسلمة في أوربا، حيث تزداد علاقات الريبة والتوجس بين المسلمين هناك ومعتنقي باقي الأديان الأخرى وتتزايد النزوعات العنصرية لدى الشعوب الأوروبية، ما يؤثر على حياة المسلمين، عمليا وحياتيا.
تجتاح أوروبا، منذ عقود من الزمن، موجات من الإسلاموفوبيا، بقيادة سياسيين معروفين ومثقفين مبشّرين بالكراهية والعداء لكل ما هو إسلامي خدمةً لأجندات شخصية ومؤسسية مختلفة. ومع الأسف الشديد، تغذي العمليات الإرهابية التي تستهدف الأوروبيين هذه الأجندات الخفية وتعطيها شرعيات الوجود والتكاثر والانتشار؛ فتَسهُل مهمتمها في سياسة تخويف الشباب الأوروبيين من الإسلام والمسلمين. والأخطر من ذلك أن أحزابا يمينية متطرفة مغمورة وأحزابا يسارية متفككة تستطيع استغلال هذه الأحداث من أجل استقطاب الناخبين الأوروبيين المرعوبين من “الزحف الإسلامي” المزعوم على القارة العجوز.
في ظل هذا الوضع، ازدياد شعور الكراهية والعنصرية ضد المسلمين، الذين يعاني من التمييز في أوساط العمل، بل إن كثيرين منهم لم تجدد السلطات الأوربية عقود عملهم بسبب أسمائهم غير الأوربية أو بسبب التزامهم الديني، كما أكد ذلك الاتحاد الوطني للنقابات المستقلة بفرنسا في أكثر من تقرير، بدءا من أحداث 2001 إلى يومنا هذا. فقد أكد اتحاد النقابات الفرنسية أنه منذ 11 شتنبر إلى الآن طُلب من العديد من الشركات المتخصصة في توفير موظفي الأمن والاستقبال أو النظافة في المؤسسات الخاصة والحكومية أن تغير التركيبة العرقية لفرق العمل التي توفرها.. ومن بين الجهات التي طُلب منها تغيير التركيبة العرقية مطارات أوروبا وبعض الشركات التي تنتج أجهزة أمنية متطورة؛ لذلك يحرم المسلمون من العمل والعيش الكريم بسبب ممارسات إرهابية من قوى إسلامية متطرفة لا علاقة لهم بها.
وبدورها، لم تقصّر بعض المنابر الإعلامية الأوروبية كذلك في تشويه صورة المسلمين واللجوء إلى التعميم المخل بالشروط العلمية بعد أي عملية ارهابية، إذ يتم الخلط بين المسلمين والإسلاميين المتطرفين. وتروج هذه الوسائل الإعلامية، التي يتلقى معظمُها أموالها من جهات معادية للمسلمين، توفر لها أموال الإشهار، لصورة الإسلامي الإرهابي بالفطرة، ما يضرّ بالمسلمين أكثر عقب أي عملية إرهابية. ومثال هذه المجلات والدوريات، التي تتعاطى مثل هذه الحملات المغرّضة بسبق إصرار وترصد، جرائد يمينية مثل “لوبوان” و”لونوفيل أوبسيرفاتور” و”لوباريزيان” و”ليكسبريس” و”ماريان”… والأخطر من هذا وذاك أن الإسلاموفوبيا أصبحت أداة انتخابية في الحقل السياسي الفرنسي، وأصبح اليمين الفرنسي واليسار الفرنسي يتسابقان لاتخاذ السياسات والإجراءات الاحترازية والتمييزية ضد المسلمين واقتراح قوانين مجحفة ضد جالياتهم.
*باحث في العلاقات الدولية
* باحث في العلاقات الدولية