أسبوعا بعد خطاب العرش، الذي وجّه فيه الملك محمد السادس انتقادات شديدة للسياسيين والمسؤولين المنتخَبين، رابِطاً بين الاحتجاجات وواقع فساد الإدارة والأحزاب، مطالباً بـ”استقالة من لا يعتبر نفسه قادراً على تحمل المسؤولية”، تقدّم إلياس العماري باستقالته من منصب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، في ثامن غشت الماضي، على وقع استمرار الاحتجاجات الشعبية حول مدينة الحسيمة والريف عموما.. في الوقت الذي تتزايد الضغوط على الحزب، الذي يحاول تحميل “العدالة والتنمية” مسؤولية هذه أزمة الحسيمة في مسعى منه إلى استعادة “جدارته” السياسية.
وقال مركز كارنيغي إن أزمة احتجاجات الرّيف هي بمثابة آخر مسمار يدق في نعش حزب “الجرّار”. ويرجّح خصوم إلياس العماري، ذي التاريخ السياسي “المثير للجدل”، أميناً عاماً للحزب أن يكون قد “أقيل” بعد فشله في قيادة الحزب لتثبيت أهدافه التي تأسس من أجلها، وهي” الوقوف في وجه الإسلام السياسي”.
وكان العماري قد صرّح في مقابلة تلفزيونية في يونيو الماضي، بأنه “حذّر” بنكيران، في 26 أكتوبر 2016، بعد يوم واحد من مقتل فكري، من تداعيات الحادثة على المنطقة، لكنه أردف أن اهتمام بنكيران وسواه من الفرقاء كان منصبّاً بالكامل على تشكيل الحكومة طيلة فترة الأزمة، مضيفاً أنه قد راسله رسميا طالبا من حكومته معطيات ومعلومات حول الحادثة وحيثياتها كي يتمكن كمسؤول عن رئاسة الجهة من تقديم التوضيحات اللازمة للسكان، لكنّ بنكيران رفض إمداده بأي معلومات، بتعبيره، بسبب عدم وجود أي سند قانوني يخوّل لرئيس الجهة أن يطالب رئيس الحكومة بمعلومات مماثلة.
ومنذ ذلك الوقت، دأب المحتجون على تحميل مسؤولية ما يجري في الرّيف بعد مقتل وحسن فكري وما أعقب ذلك من احتجاجات لجميع الأطراف، أي لرئاسة جهة طنجة -تطوان -الحسيمة، وللحكومة، ولوزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، في حين أصر جميع هؤلاء على تقاذف المسؤوليات بينهم. لتصير أحداث الحسيمة ساحة جديدة من ساحات التنافس بين حزبَي “البام” و”البيجيدي”، خاصة بعد أن انتقد العماري “غريمه” بنكيران بالحؤول دون تنفيذ مشروع “الحسيمة -منارة المتوسط”، الذي يضم مشاريع في البنى التحتية والمرافق الاجتماعية والصحية وغيرها من المحاور التي ضمّنها المحتجون في الحسيمة لملفاتهم المطلبية.
ويحمّل حزب الأصالة والمعاصرة حزبَ العدالة والتنمية مسؤولية هذا التعثر، من منطلق أن “إطلاق المشروع جاء في خضمّ الولاية الحكومية التي ترأسها بنكيران وأنّ تفاقم الأزمة والاحتجاجات كان خلال فترة تصريف الأعمال التي دخلتها تلك الحكومة بعد انتخابات 7 أكتوبر”.
في المقابل، يسعى بنكيران جاهداً لإبعاد مسؤولية تبعات هذه الأزمة عنه وعن حزبه، متّهما حزب الأصالة والمعاصرة بـ”عدم الفعالية في إدارة جهة طنجة -الحسيمة -تطوان”. ومن جانبه، يواصل حزب “التراكتور” اتهام بنكيران بإهمال تنفيذ مشروع تنمية الحسيمة “نكاية في العماري”، لأنه يرى أن الأخير “فاز برئاسة جهة طنجة -تطوان -الحسيمة عبر استغلال النفوذ السلطوي للأصالة والمعاصرة داخل مصالح وزارة الداخلية من أجل تغيير خريطة التحالفات لصالحه”.
واكتسى الصراع على الزعامة بين الحزبَين طابعا “شخصيا” بين العماري وبنكيران، وراج في هذا الصدد حديث دعوة العماري في اجتماع حضره إلى “عرقلة مساعي بنكيران لتشكيل حكومته الثالثة”، وإن كان العماري قد نفى الأمر لاحقاً.
ورغم إعلان العماري أن السبب الحقيقي لاستقالته هو “رغبته في تحمل مسؤوليته عن تزكية رؤساء الجماعات والبرلمانيين الذين اتخذ المكتب السياسي للحزب في حقهم قرار الإقالة بسبب تصويتهم عكس ما يمليه النهج الحزبي”، فإن هذه الرواية لم تقنع الكثيرين، خصوصا أن معظم رؤساء الجماعات والبرلمانيين ينتمون إلى الأعيان “كثيري الترحال السياسي” بين الأحزاب، وبالتالي ليس منطقياً أن يُنتظَر منهم الانضباط لمدونة سلوك الحزب..
هكذا إذن، “كبحت” اندفاعَ الأصالة والمعاصرة، في المرة الأولى، أحداثُ 2011 وفي المرة الثانية أحداث الحسيمة. وقد حاول كثيراً أن يظهر بمظهر “حزب يساري يتمتع بالمصداقية وأصالة القرار، قادراً على وقف تقدّم إسلاميي العدالة والتنمية”، كما حاول أن يتجنب تصويره بأنه “حزب يريد إفساد الحياة السياسية المغربية”.
ورغم كل شيء، فإن استقالة العماري، وهو واحد من أهم زعماء “البام” الذين كان بإمكانهم إثبات جدارته وتحسين أدائه، تزكي الرأي القائل إن الحزب “يعيش وضعاً صعباً”، بسبب تداعيات ملف الحسيمة.