منذ إنشائه، يواصل المستشفى الميداني الطبي الجراحي المغربي بمخيم (الزعتري)، شمال الأردن، وللعام السابع على التوالي، تقديم خدمات إنسانية نبيلة لآلاف اللاجئين السوريين الذين فروا من أحداث رافقت الحرب الأهلية السورية التي اندلعت عام 2011.
وأقيمت هذه الوحدة الاستشفائية، في أول مخيم رسمي للاجئين السوريين بالأردن، لتمثل واحدة ضمن المستشفيات العسكرية الميدانية المغربية الرائدة خارج البلاد، والتي تجسد انخراط المغرب المتواصل بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في إعلاء قيم التضامن ومساهمته الفعالة في تدبير الأزمات الإنسانية التي تشهدها عدد من المناطق في العالم.
وإلى جانب المستشفى العسكري الميداني بغزة، الذي يجسد تضامن المغرب والتزامه الراسخ بدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، فإن المستشفى الميداني الطبي الجراحي المغربي، الذي أقامته القوات المسلحة الملكية، منذ شهر غشت 2012 إلى اليوم، تنفيذا للتعليمات السامية لجلالة الملك، يعتبر أيضا مثالا حيا لانخراط المملكة الدائم في العمل الإنساني التضامني، وكذا تجسيدا لروح التضامن الذي ما فتئ المغرب يعبر عنه مع الشعوب الصديقة والشقيقة.
ويعكس هذا المشفى الميداني، الذي يقدم دعما صحيا للاجئين السوريين، أيضا الالتزام الإنساني للمغرب لفائدة ضحايا النزاع السوري، ودعم الأردن الشقيق في تحمل أعباء استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين. كما يجسد الحضور القوي للمغرب ومساهمته بفعالية في معالجة الأزمات الإنسانية في مختلف أنحاء المعمور.
هذه المبادرة التضامنية، التي تترجم أيضا العلاقات الخاصة والمتميزة التي تجمع بين المملكتين المغربية والأردنية، والتي عنوانها الحرص المتبادل على تعزيز أوجه التعاون واستمرار التنسيق، وذلك بفضل الوشائج الأخوية الوثيقة التي تربط جلالة الملك محمد السادس وأخيه جلالة الملك عبد الله الثاني، وكذا الروابط التاريخية الراسخة التي تجمع الشعبين الشقيقين المغربي والأردني.
ويحرص الطاقم الطبي والجراحي بهذه الوحدة الاستشفائية، التي تضم حوالي عشرين تخصصا إلى جانب قسم للأشعة ومختبر للتحليلات الطبية وصيدلية، على تقديم خدمات طبية ذات جودة لآلاف اللاجئين السوريين الفارين من جحيم الحرب.
كما يبذل طاقم المستشفى، منذ إحداثه إلى يومنا هذا، جهدا كبيرا ومتواصلا، مؤديا بذلك مهامه بكفاءة عالية في تقديم العلاجات وتوفير الرعاية الصحية لهؤلاء اللاجئين الذين يعيشون في المخيم على الحدود الأردنية – السورية.
وهذا الدور الكبير الذي يقوم به المستشفى والمجهود الجبار الذي تبذله الأطر العاملة به، يعكسه حجم الخدمات الطبية (مليون و343 ألفا و659 خدمة طبية)، التي قدمها منذ شروعه في العمل إلى غاية 14 ماي المنصرم لنحو 877 ألفا و745 لاجئا سوريا توافدوا على مختلف أقسامه، من بينهم 351 ألفا و456 من الأطفال، و288 ألفا و83 من النساء، و238 ألفا و206 من الرجال، بالإضافة إلى إجراء 1458 ولادة قيصرية.
وبفضل جهوده المتواصلة، يحظى المستشفى المغربي، الذي يعد الأول من نوعه من حيث المعدات والأطباء والتخصصات وكذا عدد المرضى الوافدين عليه من بين 11 وحدة صحية وشبه صحية متواجدة في المخيم، بمكانة متميزة، ما جعل اللاجئين السوريين يعبرون باستمرار عن ارتياحهم لخدماته، ولحسن الاستقبال الذي تخصهم به أطقمه كلما توجهوا إليه طلبا للعلاج بمختلف أنواعه.
ومافتئ اللاجئون السوريون يعبرون عن ارتياحهم لخدمات المستشفى المغربي، بل أكثر من ذلك فهو يحظى بإشادة واسعة من قبل مختلف الوفود الرسمية وغير الرسمية التي تقوم بزيارته في كل مرة، وذلك بالتنويه بالخدمات والمجهود الجبار الذي يضطلع به منذ تأسيسه إلى اليوم، وكذا بالإشعاع الدولي والمهنية العالية للقوات المسلحة الملكية.
ولذلك ليس من الصدفة أن تصنف منظمة الصحة العالمية هذا المستشفى الميداني المغربي، الذي يشتغل قسم المستعجلات به على مدار الأربع والعشرين ساعة، في الرتبة الثانية بين العديد من المستشفيات الميدانية التطوعية حول العالم٬ بالنظر لمستوى وجودة الخدمات الصحية والعلاجية المتطورة التي يقدمها لطالبيها من اللاجئين.
إن التجارب العديدة التي راكمها المغرب، خلال السنوات الأخيرة، في مناطق مختلفة من العالم (إفريقيا، آسيا، الشرق الأوسط)، جسدت الحضور المغربي النوعي في دعم العمل الإنساني ومؤازرة الشعوب المضطهدة ومدها بالاحتياجات الضرورية من أدوية وعلاجات طبية، وأغطية ومواد غذائية.
ونتيجة للخبرة والتجربة اللتين اكتسبهما في تدبير والإشراف على المستشفيات الميدانية بمجموعة من مناطق النزاعات وتلك المتضررة من الكوارث الطبيعية، تمكن المغرب من انتزاع الاعتراف الدولي وتحقيق الريادة بالنظر لدوره الكبير وإسهاماته المتميزة في دعم الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي في هذا المجال الحيوي الإنساني، والانخراط في تعزيز قيم السلام والتضامن بين شعوب العالم.
وبالتالي، أصبح، العمل الإنساني الذي يقدمه المغرب في مختلف بقاع العالم، تقليدا يستند على قيم التضامن واحترام قواعد القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان. كما يهدف إلى وضع خبرات وتجارب المملكة رهن إشارة الدول التي تشهد توترات ونزاعات.
وكل ذلك يجسده الالتزام الراسخ لصاحب الجلالة الملك محمد السادس إزاء القضايا الإنسانية وحرص جلالته الدائم على إعلاء قيم التضامن، وفي إطار النهج الذي كرسته المملكة في سياستها الخارجية، من خلال التواجد الفعلي في الميدان، حتى في مواقع ساخنة وبؤر توتر عديدة، إن اقتضى الأمر ذلك، متسلحة بوضوح الرؤية لتحقيق هدف أسمى ألا وهو إنقاذ أرواح بريئة.
ولعل إبداء مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، رغبته في إقامة شراكة مع المغرب كفيلة بضمان تقاسم الخبرات في مجال التدخلات الإنسانية، لدليل آخر، لهذا الالتزام المتواصل للمغرب وجهوده الجبارة في دعم العمل الإنساني، وخبرته في الميدان، والتي جعلت المغرب بقيادة جلالة الملك، رائدا في هذا المجال.