الرباط-أسامة بلفقير
يعيش النظام الجزائري منذ مدة على وقع رقصة الديك المذبوح، بعد الزلزال الذي ضرب “العالم الآخر” جراء المواقف الصارمة والقوية للمنتظم الدولي تجاه قضية الصحراء المغربية، والتي فقدت فيها الجزائر وصنيعتها “البوليساريو” حتى الدعم الروسي الذي ظلت تنتشي به منذ سنوات.
الزلزال المدمر الذي أتى أطروحة الانفصال، حول ما استثمرته الجزائر طيلة عقود إلى رماد، منهيا بذلك الوهم الذي لطالما استعمله جنرالات “العالم الآخر” لإلهاء الشعب الجزائري عن الأوضاع الداخلية الصعبة، بعد تجربة الحراك الوطني الذي تم وأدها بالجمر والحديد والاختطافات والاعتقالات.
ولأن الجزائر غير قادرة على تصحيح وضعها الداخلي والانكباب على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الواسعة، لم يجد “الكابرانات” من فكرة “غبية” غير تنظيم ما أسموه بالدورة الأولى ليوم الريف، وجمع صحافيي النظام لتغطيته، في مسرحية أثارت السخرية وحولت الجزائر إلى أضحوكة أمام المنتظم الدولي.
زلزال الصحراء المغربية المدمر
مسرحية “الريف” التي تسعى الآن الجزائر إلى تمويلها بالمال الأسود تحمل في طياتها استسلاما جزائريا لوضع جديد عنوانه دعم دولي واسع لسيادة المغرب على صحرائه، بما في ذلك الأعضاء الكبار دائمي العضوية بمجلس الأمن.
لقد تلقت الجزائر ضربة قوية بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا بسيادة المغرب على صحرائه..وقد ازداد وضع الجزائر عزلة في ظل الموقف المحايد الذي اتخذته روسيا، بل ورفضها دعم المناورات الجزائرية فيما يتعلق بوضع “المينورسو”..فالجزائر تعلم أن المغرب قريب من كسب الدعم الروسي بلا مال ولا بترول ولا غاز وصفقات تسلح..بل بقوة موقفه الشرعي ومصداقيته أمام المنتظم الدولي.
أيضا، فقد أصيبت الجزائر بالسعار بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني، واستقباله من طرف ولي العهد مولاي الحسن في خطوة تحمل رمزية كبيرة ودلالات عميقة على التقارب المغربي الصيني، علما أن بكين تدعم قرارات مجلس الأمن ولم يسبق لها أن دعمت “البوليساريو” ولا مناورات الجزائر..فيما يتبنى المغرب موقفا تاريخيا تجاه مبدأ “الصين الواحدة” حتى قبل أن يطفو نزاع الصحراء المغربية على السطح..هذا هو تاريخ الدول العريقة، وليس الأنظمة التي نزلت عبر “باراشوت” الاستعمار الذي صنع منها دولة باسم “الجزائر”.
لقد فقد “جار السوء” أي دعم دولي في هذا الملف الذي افتعلت وتحول إلى فخ داخلي لها. لذلك فهي تحاول الآن أن تصنع وهما جديدا لإيهام الشعب الجزائري وتحويل أنظاره عن القضايا الحقيقية التي تحتاج العلاج بالكي..وأولها، إنهاء حكم العسكر وتحرير قدرات شعب ليس من قدره أن يعيش هذه العزلة القاتلة إقليميا ودوليا.
مسرحية الريف
لكل تلك الأسباب التي أشرنا إليها سابقا، والمتعلقة بالزلزال العنيف الذي دمر أطروحة الانفصال، وجد نظام “الكابرانات” نفسه في ورطة حقيقية..فبعد إنفاق أكثر من 500 مليار دولار، يبدو العسكر اليوم عاجزا عن مواجهة حقيقة الفشل في الوصول إلى الأطلسي.
نعم لقد فشلت الجزائر في الوصول إلى الأطلسي، لأن هذا هو المخطط له في خبايا الصراع..فالجزائر تدعم المرتزقة والانفصاليين كأي شركة ترغب في التنقيب عن معدن نفيس مقابل اتفاقية تجعلها المستفيد الأكبر لعقود طويلة بعد بلوغ الهدف..وفي هذه الحالة، فإن الجزائر كانت تحلم دائما بأن تكون “البوليساريو” واجهتها في الطريق نحول الأطلسي..لكنها جرت الخيبات والويلات.
لذلك تريد الجزائر اليوم أن تدفع بوهم جديد اسمه “جمهورية الريف”، لتجد نفسها أمام سخرية عارمة تجتاح المغاربة وحتى جزءا من الجزائريين الذين تحرروا من عقدة الخوف..أي ريف هذا الذي تتحدث عنه الجزائر؟ هل هو الريف الجزائري الذي يعيش تحت وطأة التهميش والفقر وحكم العسكر بالعصا الجزرة؟ أم هو الريف المغربي من الحسيمة والناظور وتطوان وغيرها من المدن المغربية التي تتوفر على مواصفات مدن عالمية بخدمات عالية الجودة وبنيات تحتية قد لا تحلم بها حتى العاصمة الجزائرية.
مشكلة الجزائر أنها تعيش اليوم حالة من التيه والحمق الذي ربما لم تشهده أي دولة في التاريخ الحديث..فلم نسمع في النزاعات الدائرة حاليا أن هناك دولة ما منحت جزءا من أراضيها لجماعة تقوم بتسليحها لتهديد أمن دولة أخرى..كما لم نسمع بدولة تحتضن بشكل رسمي وعلني أطروحات انفصالية لا صدى لها في الدول التي تستهدفها.
إن عزلة الجزائر تتسع يوما بعد آخر..ولا شك أن الحماقات ستتسع في ظل حالة اليأس والاختناق الداخلي الذي يسعى العسكر إلى تصديره..لذلك فخير ما نختتم به هو ما قام به محمد اوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، الذي رفع أكف الضراعة مع الحركيين من أجل الدعاء للجيران بالهداية والعودة إلى طريق الصواب، وأن يرفع عنهم سبحانه وتعالى حالة اليأس والغم والحزن والحقد تجاه جار لم يمسسهم يوما بسوء ولا أذى.