24 ساعة ـ متابعة
يشهد المغرب طفرة صناعية ملحوظة خلال العقد الأخير، حيث يسعى لتعزيز مكانته كمركز إقليمي للصناعات الثقيلة. ليس فقط في قطاع السيارات، بل أيضاً في الصناعة البحرية. وفي هذا السياق، أثار مشروع إنشاء ورشة بحرية ضخمة في الدار البيضاء اهتماماً وقلقاً في آن واحد. خاصة في إسبانيا، التي ترى فيه تهديداً محتملاً لصناعتها البحرية.
تفاصيل المشروع وأهدافه
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “The Economist” الإسبانية يوم الخميس، استثمر المغرب 300 مليون دولار في مشروع ورشة بحرية في الدار البيضاء. يمتد على مساحة تزيد عن 210,000 متر مربع، أي ما يعادل 30 ملعباً لكرة القدم. الهدف من هذا المشروع لا يقتصر على صيانة وإصلاح السفن، بل يطمح إلى تحويل المغرب إلى منافس قوي للأحواض البحرية في جنوب أوروبا، وعلى رأسها إسبانيا، التي تهيمن عليها الشركة العامة “نافانتيا”.
يأتي هذا المشروع في إطار استراتيجية مغربية طموحة تهدف إلى تنويع اقتصادها وتعزيز مكانتها كمركز لوجستي وصناعي في المنطقة. ويستند المشروع إلى عوامل الجذب التي أثبتت نجاحها في قطاعات أخرى، مثل انخفاض تكاليف العمالة، الاستقرار السياسي، البنية التحتية الحديثة، والمزايا الضريبية المرنة مقارنة بالدول الأوروبية.
نجاحات سابقة تدعم الطموح
يشير التقرير الإسباني إلى أن المغرب يعتمد على تجربته الناجحة في قطاع السيارات كأساس لتكرار النجاح في الصناعة البحرية. فقد أصبح المغرب الدولة الأولى في إفريقيا لتصدير السيارات، بفضل استثمارات كبرى من شركات عالمية مثل “رينو” و”ستيلانتيس”. وبحلول عام 2023، تجاوزت صادرات المغرب من السيارات 500,000 مركبة إلى أوروبا، مما يعكس قدرته على بناء صناعة تنافسية على المستوى العالمي.
يراهن المغرب على تطبيق نفس النموذج في القطاع البحري، مستفيداً من موقعه الجغرافي الاستراتيجي على مفترق الطرق البحرية بين أوروبا وإفريقيا والأمريكتين. كما أن قرب الدار البيضاء من مضيق جبل طارق يجعلها موقعاً مثالياً لخدمة السفن التجارية العابرة للمحيط الأطلسي.
مخاوف إسبانيا
يثير هذا المشروع قلقاً كبيراً في إسبانيا، التي تعتبر نفسها رائدة في صناعة بناء وصيانة السفن في جنوب أوروبا. ويرى التقرير أن الورشة البحرية المغربية قد تشكل تهديداً مباشراً لشركة “نافانتيا”، التي تعتمد على عقود صيانة السفن وتصنيعها لدعم الاقتصاد الإسباني. انخفاض تكاليف التشغيل في المغرب، إلى جانب الحوافز الضريبية، قد يجذب شركات الشحن الدولية بعيداً عن الأحواض الإسبانية.
علاوة على ذلك، يعكس المشروع طموح المغرب للحد من اعتماده على الأسواق الأوروبية كمصدر للخدمات، والتحول إلى مزود. رئيسي لها. هذا التحول قد يؤثر على التوازن الاقتصادي في المنطقة، خاصة في ظل المنافسة المتزايدة على جذب الاستثمارات الأجنبية.
🇲🇦🇪🇸 𝗦𝗲𝗹𝗼𝗻 𝗧𝗵𝗲 𝗘𝗰𝗼𝗻𝗼𝗺𝗶𝘀𝘁 (Espagne) : 𝗟𝗲 𝗽𝗿𝗼𝗷𝗲𝘁 𝗱𝗲 𝗰𝗵𝗮𝗻𝘁𝗶𝗲𝗿 𝗻𝗮𝘃𝗮𝗹 𝗱𝗲 𝗖𝗮𝘀𝗮𝗯𝗹𝗮𝗻𝗰𝗮 𝗾𝘂𝗶 𝗽𝗼𝘂𝗿𝗿𝗮𝗶𝘁 𝗿𝗲𝗱𝗲𝘀𝘀𝗶𝗻𝗲𝗿 𝗹'𝗶𝗻𝗱𝘂𝘀𝘁𝗿𝗶𝗲 𝗺𝗮𝗿𝗶𝘁𝗶𝗺𝗲 𝗱𝗲 𝗹𝗮 𝗿𝗲́𝗴𝗶𝗼𝗻 𝗲𝘀𝘁 𝗿𝗲𝘀𝘀𝗲𝗻𝘁𝗶 𝗰𝗼𝗺𝗺𝗲 𝘂𝗻𝗲… pic.twitter.com/i5Xc62bBMJ
— Morocco News 🇲🇦 (@Moroccolitik) April 26, 2025
التحديات والفرص
رغم الطموحات الكبيرة، يواجه المشروع تحديات لوجستية وتقنية، منها الحاجة إلى تطوير كفاءات محلية متخصصة في الصناعة البحرية. وضمان استدامة التمويل على المدى الطويل. كما أن المنافسة مع أحواض بحرية راسخة في إسبانيا ودول أخرى تتطلب جودة عالية وكفاءة تشغيلية.
ومع ذلك، فإن الفرص التي يوفرها المشروع هائلة. إذ يمكن أن يسهم في خلق آلاف فرص العمل في الدار البيضاء، وتعزيز مكانة المغرب كوجهة استثمارية. كما أن نجاح المشروع قد يشجع على تطوير مشاريع بحرية أخرى، مثل بناء السفن أو تصنيع المعدات البحرية.
آفاق المستقبل
يمثل مشروع الورشة البحرية في الدار البيضاء خطوة جريئة في مسار المغرب نحو التحول إلى قوة صناعية إقليمية. ومع ذلك، فإن نجاحه يعتمد على قدرة المغرب على تحقيق التوازن بين المنافسة الإقليمية والتعاون مع جيرانه الأوروبيين، خاصة إسبانيا، التي قد تسعى إلى حماية مصالحها الاقتصادية.
في النهاية، يعكس هذا المشروع رؤية المغرب الطموحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي الصناعي وتعزيز دوره في الاقتصاد العالمي. ومع استمرار الاستثمارات في البنية التحتية والصناعات الاستراتيجية. يبدو أن المغرب مستعد لإعادة تشكيل المشهد الصناعي في المنطقة، مما قد يعيد تعريف العلاقات الاقتصادية مع أوروبا في السنوات القادمة.