مصطفى النعمان
مازال الرئيس ترامب يجبر العالم على متابعة كل تحركاته وتصرفاته التي تُشكل ظاهرة جديدة في المشهد السياسي الأمريكي والعالمي، فهو أول رئيس يتمرد على وقار المنصب ويهبط بمستوى الأداء فيه، وتنشغل وسائل الإعلام والمحللون بدراسة ما يقوله وما يفعله، وصار يخاطب العالم وناخبيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما يفعل نجوم الفن والرياضة،
وقد لا يكون الأمر مفاجئاً في أغلب عواصم دول العالم الثالث أن ينفرد الحاكم مع مجموعة صغيرة جداً باتخاذ القرار وإذا كان الأمر مقبولاً هنا فإن الدول الراسخة في العمل المؤسسي والتي بها وسائل رقابة سواء كانت رسمية أو عبر الإعلام لا يستطيع أحد مهما كانت مرتبته في النظام السياسي أو الإداري تجاوز قواعد العمل المتبعة ولا القفز على القوانين.
يراقب العرب تصرفات الرئيس الأمريكي الجديد بسلبية فاضحة مقرونة بقلق بالغ وريبة شديدة، ومرد ذلك أنه بسياساته المعلنة لا يتورع عن استخدام عبارات التهديد والابتزاز لكل من يتصوره خصماً لتوجهاته ويحاول فرضها بخطابات تحفز الغرائز الأمريكية الممتلئة بعشق القوة وإظهار تفوقها، وقد تمكن ترامب من استثارة النفسية الأمريكية الراغبة في تجسيد القدرة المدعومة بالقوة حتى إذا وصلت إلـى درجة البطش بمن يخالفهم، وقد استغل في الترويج لها بعزوف الأمريكي البسيط عن متابعة ما يجري خارج الحدود مكتفياً بما يسمعه من رئيسه.
إنّ ابتهاج البعض في منطقتنا بسياسات ترامب يشير إلى جهل بقدرة الرئيس الأمريكي على اتخاذ ما يروق له من إجراءات وجاء أول اختبار له في مواجهة السلطة القضائية ليبرهن على أنه رغم السلطات التي يتمتع بها إلا أنه لا يستطيع تجاوز حكم قاض فيدرالي نقض أمراً تنفيذياً تصور ترامب ومؤيدوه إمكانية تمريره، وجاء هذا التحدي ليضع قدراته على المحك ويزيد من التشكك في قدراته على تمرير ما وعد به خلال حملاته الانتخابية.
لقد أوفى ترامب بما خدع به ناخبيه ووقع على عدد كبير من الأوامر التنفيذية ولكنه توقف عند هذا الحد وصارت خطاباته تمثل تراجعاً عن أغلب وعوده، فعلى سبيل المثال تراجع عن “تمزيق” الاتفاق مع إيران وصار يتحدث عن مراقبة تنفيذ بنوده، وصرح بـأهمية حلف شمال الأطلسي بعد أن كان قد أعلن أنه مؤسسة منتهية الصلاحية،
ثم استبدل الغضب على امتناع الإدارة السابقة عن قرار إدانة إسرائيل بسبب مواصلة بناء المستوطنات فـأعلن أنها لا تساعد علـى تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وكذلك استبدل وعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بالحديث عن دراسة تـأثيراته.
الرئيس الأمريكي له يدٌ أكثر سطوة في الخارج أكثر من قدرته علـى تمرير سياساته الداخلية، وستكون الأيام القادمة شديدة الوطأة على رجل، ناصب الإعلام العداء ويشير إليه بـأنه حزب المعارضة الحقيقي لسياساته، ولكن هذا لا يمنع من أنه شديد الخطورة لانعدام خبرته السياسية وعدم مروره كأكثر سابقيه على مواقع الحكم ودوائر صنع القرار، ونفس الحال ينطبق على أقرب معاونيه من أمثال بانون وبرايبوس وبنته ايفانكا وزوجها.
الأشهر القادمة ستصيب العالم بالدهشة تجاه ترامب وسيكون من المثير متابعة تصرفاته وتناقضاته ولكن الأهم هو أننا أمام ظاهرة ربما لن تكتمل فصولها كما يريد لها مؤيدوه في الولايات المتحدة وخارجها.
وكيل وزارة الخارجية اليمنية سابقاً