24 ساعة ـ عبد الرحيم زياد
انطلقت يوم أمس الجمعة 13 دجنبر الجاري، بولاية تندوف الجزائرية، أشغال المؤتمر السادس عشر لجبهة البوليساريو. في ظل العديد من الصراعات والانقسامات الحادة بين أعضاء القيادة الانفصالية. كما ينعد في عدد من المتغيرات الميدانية والدبلوماسية، خصوصا بعد تحقيق المغرب لمكاسب وانتصارات إستراتيجية عديدة، بدءا من التأمين الكامل للمعبر الحدودي الكركرات، وانحسار تحركات عناصر البوليساريو داخل المنطقة العازلة، مرورا بتواصل مسلسل فتح القنصليات والتمثيليات الديبلوماسية بالأقاليم الجنوبية، وانتهاء باعتراف العديد من القوى الإقليمية والدولية، بمغربية الصحراء وبوجاهة مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية التي يقترحها المغرب كتسوية للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية منذ نصف قرن.
في ذات الصدد يرى القيادي السابق بجبهة البوليساريو مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، أن الواقع الميداني والإقليمي والدولي. قد تغير بشكل كبير، ولم يعد كما كان عليه الحال الذي ظهرت فيه الجبهة في السبعينات. بحيث لا يحتاج المرء لكثير من التفكير للوقوف على أن الواقع اليوم، يتماهى و يتماشى مع النظرة المغربية في الحل. لأن الطرح المغربي مبني على قاعدة واقعية، توائم بين كافة الحلول، و مسنودة بجهد ملموس على الأرض.
و أكد مصطفى سلمى في تصريح خص به جريدة “24 ساعة” أن الطرح المغربي، طرح واقعي مسنود بمشروع تنموي بقيمة 7.7 مليار دولار،وتكريس سياسي يعتمد خيار الجهوية، من خلال تمثيل ومشاركة واسعة للساكنة المحلية الصحراوية في إدارة الشأن المحلي. بينما واقعيا وعمليا يظهر مشروع الجبهة في انحصار ومكاسبها في تآكل، و لم يتبقى لها من زاد غير العناد.
وفي تعليقه على الانقسامات الحادة داخل صفوف القيادة الانفصالية وتعالي الأصوات الرافضة للتجديد لإبراهيم غالي. في ظل محاولات هذا الأخير الاستفراد بالقرار وإقصاء معارضيه الذين يتهمونه بالعجز، يرى ولد سلمى أن هذا الأمر ليس مفاجئا. من منطلق أن إبراهيم غالي كان استخلافه لمحمد عبد العزيز خيار ضرورة و ليس عن استحقاق. و لما أقول ضرورة فلا أعني ضرورة سد الشغور. بل لأن محمد عبد العزيز غفر الله، والذي حكم البوليساريو قرابة 40 سنة بديكتاتورية، لم يرسي دعائم ديمقراطية داخل المنظمة، ولم يؤسس لتداول سلس على السلطة.
وفوق ذلك ، يضيف المتحدث، جعل من مؤسسة الرئاسة هي المؤسسة الوحيدة في الجبهة. لدرجة أنه على خلاف جميع الحركات المسلحة لا تجد لمؤسسة الجيش حضورا و لا قرارا. لأن عبد العزيز جعلها كجيش القذافي كتائب بلا قيادة. فالقيادة في جيش البوليساريو سياسية و ليست عسكرية. فتجد الواحد منهم اليوم قائد ناحية، و غدا وزير أو سفير و بعد غد تجده قائد ناحية.
واسترسل مصطفى سلمى، مؤكدا أن فترة محمد عبد العزيز الطويلة. راكمت عدد كبيرا من القيادات في الصف الأول، مشكلين أقطابا متصارعة يديرها هو. ولما حان أجله وحتى لا تقع صدامات بين أقطاب مرحلته، أزاح رؤوسهم من المراكز المهمة (ولد البوهالي من وزارة الدفاع.، عبد القادر من الوزارة الأولى، البشير مصطفى) ليمهد الطريق لخليفة توافقي (غالي)غير منتمي لأي كتلة. وإذا ما أضفنا لطموح الزملاء، هزالة إنجازات فترتي حكم غالي. والانتكاسات والهزائم التي منيت بها المنظمة في عهده. و قلة سنده القبلي (أولاد طالب). نفهم أن كل ما نسمعه، ونشاهده من تصارع و تناطح على السلطة في البوليساريو يبقى مبررا.
وأكد المتحدث، أن اليد الخفية الجزائرية المتحكمة في المنظمة، تبقى هي صاحبة القرار الأخير. فيما ستؤول إليه الأمور، و لديها كل الوسائل لذلك. و هو ما يعني إن المؤتمر سيستنفذ أيامه المقررة و تنطفئ شمعته كما المؤتمرات التي سبقته. و تعود الأمور لسابق عهدها حتى تختار الجزائر الجنوح للسلم مع المغرب أو التصعيد المميت الذي لن تسلم منه أي من دول المنطقة.
وحول اختيار الجبهة الانفصالية لشعار “تصعيد القتال” كشعار لمؤتمرها. وإصرارها على التمسك بخيار الحرب مقابل خيار المغرب المتمسك بالعملية السلمية. أكد مصطفى سلمى، أن قرار الجبهة التنصل من اتفاقية وقف إطلاق النار كان هو الخيار الوحيد المطروح أمامها يوم 13 نونبر 2020، يوم تأمين المغرب لحدوده مع موريتانيا في منطقة الكركرات. فبعد هذا اليوم تغيرا الوضع الجيواستراتيجي في المنطقة برمتها. وبات المغرب لأول مرة متصلا بعمقه الإفريقي. و حلقة وصل بين قارات، لا تعيقه حدود و لا منطقة عازلة. و لو بقيت البوليساريو شرق الحزام لألف سنة أخرى فلن يضره شيء.
أمام هذا الوضع، يضيف المتحدث، كان لزاما على الجبهة أن تقول لا مكرهة، وتعلن انتهاء التزامها بوقف اطلاق النار. رغم أنها بعيدة عن الجاهزية لإدارة أية حرب، كيفما كان نوعها مع المغرب. وإلا تحكم على نفسها بالموت السريري.
وخلص مصطفى سلمى في حديثه للجريدة، إلى أن المغرب، و بعد الذي حققه في الكركرات، فلا مصلحة له في التصعيد، وبقاء مناطق شرق الحزام خارج عن إدارته لا يعيق مشاريعه، ما دامت لا تشكل أي تهديد على أمنه. و يمكن التعامل معها كما هو حاصل الآن بعمليات جوية محدودة. دون الإخلال بالسير العادي للحياة في المملكة.