موسى المالكي
تعيش القارة الإفريقية على صفيح ساخن، بسبب تفاقم المخاطر الأمنية التي تتهدد بلدانها بسبب انتشار التنظيمات والجماعات المتطرفة، والتوتر الشديد للأوضاع السياسية بغرب إفريقيا نتيجة تطورات ملف تنازع السلطة في النيجر. زيادة على التأثيرات الوخيمة، الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للتغيرات المناخية، وتوالي سنوات الجفاف وموجات الحرارة التي تعقد قضايا الأمن والسيادة الغذائية، وترفع تدفقات الهجرة غير النظامية.
بعيدا عن كل ذلك، وفي وقت شديد الحساسية، تحتاج فيه القارة الإفريقية لتضافر الجهود من أجل مواجهة التحديات المصيرية لبلدانها وشعوبها، تداولت قناة جزائرية تقريرا مصورا، عن قيام “مصالح المفتشية الإقليمية للتجارة بريكة”، بحملة تفتيش ومداهمة لبعض المكتبات قصد سحب ومصادرة مجموعة من المجسمات الخرائطية للعالم والقارة الإفريقية التي تنتصر للوحدة الترابية للمغرب.
وتهدف المصالح المذكورة من خلال هذه الحملة، إلى استبدال تلك المجسمات بخرائط مشوهة ومبتورة تسيء لوحدة أراضي وسيادة الدول الإفريقية، وتروج للأطروحات الانفصالية، وتغليطا للرأي العام الجزائري الشقيق.
وفي حين أن المغرب، ينتصر لقضيته الوطنية الأولى، ويترافع عنها أمام الدول التي تتوالى اعترافاتها بمغربية الصحراء وتفتتح عشرات القنصليات والتمثيليات الديبلوماسية لها بكل من العيون والداخلة، وأمام قناعة متزايدة لدى المنتظم الدولي والأمم المتحدة، إلا أن هذه المكتسبات التي تقترب من حسم الملف بشكل نهائي، لا تلغي أهمية التصدي ل “معركة الخرائط”.
وتذكرنا هذه السابقة، بالرجة الكبيرة التي أحدثها نشر مقال للأستاذ موسى المالكي، تحت عنوان: معركة الخرائط «الدبلوماسية الخرائطية” تخدم قضية الوحدة الترابية في المغرب“، بتاريخ 30 نونبر 2020، في وسائل الإعلام الجزائري وتفاعلت معها رسميا كل من وزارة الخارجية الجزائرية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي (أنظر مقال هسبرس حول: ترويج الدبلوماسية لخرائط مغربية الصحراء يثير فزع “الخارجية الجزائرية”)، المنشور بتاريخ 8 مارس 2021.
في هذا الإطار، ووعيا بأهمية مواصلة ديبلوماسية الخرائط ودورها في تصحيح المغالطات التي يبثها خصوم الوحدة الترابية لدى الرأي العام الدولي، ومكافحة الخرائط الوهمية والمشوهة والمغلوطة المنتشرة في العديد من المواقع والروابط والمنصات الرقمية، وتحقيقيا للسيادة الخرائطية الإفريقية بواسطة إنتاج خرائط تخدم القارة ولا تفاقم مشاكلها.
ومن جهة ثانية، ترسيخا لقناعتنا بالفرص العظيمة الممكنة لتحقيق التنمية المنشودة بالقارة الإفريقية، وتحقيق سيادتها الغذائية والطاقية والاقتصادية والسياسية والمشاريع التكاملية الإستراتيجية المقبلة عنها (خط الغاز: المغرب – نيجيريا)، بفضل الثروات الطبيعة التي تحظى بها والسوق الإستهلاكية الهائلة التي تشكلها القارة السمراء، وضرورة إسهام الأبحاث الجغرافية في تسليط الضوء خرائطيا على هذه المقدرات والإمكانيات.
يستعد المنتدى الإفريقي للتنمية والأبحاث الجغرافية والإستراتيجية، للإعلان عن إصدار أطلس خرائطي رقمي متعدد اللغات للقارة الإفريقية (العربية، الفرنسية والإنجليزية)، يحترم سيادة الدول ووحدة أراضيها وحدودها السياسية، وتنوع تضاريسها وثرواتها الطبيعية وشبكتها المائية، وشبكة الموانئ والعواصم والغابات والمواقع الأثرية المصنفة وغيرها.
وسيحرص المنتدى، ضمن هذه المبادرة الأكاديمية المفتوحة على مختلف المقترحات والتنسيق والتشاور، على وضع هذه الخرائط التعريفية بالقارة الإفريقية، رهن إشارة وسائل الإعلام الإفريقية والدولية، والباحثين والأكاديميين والطلبة في صيغة رقمية مجانية وبلغات مختلفة، مع الحرص على إشراك خرائطيين ومتخصصين في نظم المعلومات الجغرافية، من مختلف الدول الإفريقية ضمن مشروع الأطلس الخرائطي القاري.
إن “معركة الخرائط”، ستتواصل بين الخرائط الحقيقية الصحيحة التي تدعمها وقائع التاريخ غير القابل للإعادة، والجغرافيا غير القابلة للتشويه، وروابط البيعة الشرعية الموثقة والمتوارثة لعدة قرون. وستنتصر على الخرائط الوهمية التي يبثها خصوم الوحدة الترابية للبلدان المغاربية، ومن قبل من ينتظر منهم العودة لجادة الصواب ومراجعة المواقف المتجاوزة، خدمة لوحدة بلدان المغرب الكبير وازدهار ورخاء الشعوب المغاربية بعيدا عن فخ التفرقة والصراعات ودعم الميليشيات الانفصالية.