إعداد عبد الرحيم زياد
تقدم جريدة “24 ساعة ” لقرائها بمناسبة شهر رمضان الأبرك حلقات متسلسلة على امتداد الشهر الفضيل من كتاب “محمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة الى الوطن” لمؤلفه محمد العربي المساري ، والذي يرصد الحركة التحررية التي قادها الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي في منطقة الريف بشمال المغرب في الفترة بين عامي 1921 و1926 ضد الإستعمار الإسباني.
الكتاب يتوقف بتؤدة عند جانب معين من هذه الفترة المهمة من تاريخ المغرب المعاصر،. والتي تميزت لحرب التحرير التي قادها الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، ضو القوة الإستعمارية الإسبانية المتحفزة والمتربصة انطلاقا من الثغور التي تسيطر عليها .
كما يستعرض الكتاب فصول حرب الريف شارحا كيف تمكن زعيمها الخطابي من الموازاة بين متطلبات الحرب، وبين التأسيس لنظام سياسي في المناطق المحررة، وهو مشروع يوجزه الكاتب في أنه “ارتقى بالفكر السياسي المغربي، وليس فقط في الريف، من مستوى القبيلة إلى أفق الوطن”.
الحلقة الأولى:
ملحمة وبطل
حينما تتردد عبارة حرب الريف يذهب الذهن إلى تلك المعارك التي قادها البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي. وهي في الواقع ثالث حرب خاضها أهل الريف في المنطقة نفسها تقريباً، في العصر الحديث. فقد كانت هناك معركة سيدي ورياش في 1893 وهي التي يمكن اعتبارها حرب الريف الأولى. ثم الحرب التي قادها البطل الشريف أمزيان سنة 1909 وأخيراً الحرب التي دامت من 1921 إلى 1926. وكلها كانت في مواجهة إسبانيا. وكلها تميزت بشراستها، وبقوة رهاناتها .
لكن أطول حروب الريف في العصر الحديث، وأكثرها عمقاً هي الثالثة التي أخذت قسطاً أوفر من الاهتمام، لأن تفاعلاتها ظلت متلاحقة ومستأثرة بالاهتمام حتى اليوم، ليس أقلها شأناً مسألة الغازات السامة التي تثير جوانب سياسية وقانونية وأخلاقية ما فتئت تسيل الكثير من الحبر .
إن الأحداث الجليلة التي شهدتها المنطقة الواقعة ما بين نهر أمقران وجبل غرغيز على مشارف تطوان، هي قصة ملحمة بدأت بـ 18 بندقية، هزمت جيوشاً جرارة، وصل تعدادها في أحد الأوقات إلى 360,000 مقاتل، كان عنادهم يمثل بالإضافة إلى دباباتهم وطائراتهم أحدث ما أنتجته الصناعة الحربية الأوروبية في ذلك الوقت .
وكانت تلك الحرب قد ضعضعت إسبانيا وكلفتها استقرارها وسمعتها. كما أن تلك الحرب هي التي جرت فيها مواجهة مع دولتين أوروبيتين، يكفي القول إن إحداهما هي فرنسا التي أرغمت على أن توجه إلى الميدان بطل معركة فيردان الماريشال بيتان .
وكان وراء كل ذلك رجل هادئ بسيط تلقى العلوم الفقهية ليهيئ نفسه للمساهمة في بناء حياة يكتنفها السلم والعدل. غير أنه بما أن الظروف هي التي تكيف الرجال وتصنع الأحداث، فإن التاريخ احتفظ للخطابي بصفحة مكتوبة بمداد البطولة، حيث يتردد اسمه برنين يشابه جلال أعظم الأولياء .
قاد الرجل ملحمة كتبها رجال خاضوا معركة انفردت في التاريخ بأنها المعركة التي لم تشهد أسرى إلا من جانب الخصوم، لأن الريفيين لا يعرفون الاستسلام. فقد هجم الإسبانيون بـ 12,000 رجل
في جبل مرموشة الريف، بعد عملية الإنزال بالحسيمة، وحينما تقوى رصاصهم على رصاص المجاهدين، لم يجدوا إلا محارباً واحداً ما زال على قيد الحياة، وظل يطلق النار من بندقيته، حتى أجهزت عليه جماعة من جيش “لا ليخيون” وقتلته طعناً بالحراب.
وقال محارب إسباني لتفسير ذلك إن “المور”و حينما يرى أخاه يسقط لا تراوده فكرة الهروب، بل إن أول ما يصنعه هو أن يحل محله ويتابع الضرب .
ومن أجل التزود بالسلاح كان رجال الخطابي، كما يصف مصدر إسباني نقلاً عن شاهد عيان يتسللون إلى المعسكرات التي يحاصرونها، وهم عراة وقد دهنوا أجسادهم بالزيت لكي لا يحدثوا أي صوت، ويستحوذون على ما في المخازن من سلاح، ويشلون حارسيها ثم يذهبون بغنيمتهم.
ويقول جنود من اللفيف الأجنبي الفرنسي إن كمية الأسلحة التي غنمها المجاهدون بهذه الطريقة كانت من الكثرة، بحيث إن القيادة الفرنسية لم تجرؤ قط على نشر التقارير الكاملة عن حقيقة تلك العمليات.