أسامة بلفقير-الرباط
شهد المغرب أمس الأربعاء حدثا هاما يعكس حرص القيادة الرشيدة على تعزيز قدرات المملكة في مواجهة الكوارث الطبيعية المحتملة. فقد أشرف الملك محمد السادس على إطلاق منصة المخزون والاحتياطات الأولية لدعم عمليات الإغاثة، وهو مشروع ضخم يحمل في طياته دلالات استراتيجية عميقة وأبعادًا إنسانية نبيلة.
ويأتي إطلاق هذه المنصة في سياق عالمي متزايد التقلبات المناخية وما يصاحبها من كوارث طبيعية متكررة. فقد أظهرت التجارب السابقة، سواء في المغرب أو في دول أخرى، الأهمية القصوى للاستعداد المسبق وتوفير مخزون استراتيجي من المواد الأساسية لضمان استجابة فعالة وسريعة لاحتياجات المتضررين في اللحظات الحرجة التي تعقب وقوع الكارثة.
وتمثل هذه المنصة خطوة نوعية في تعزيز الأمن الإنساني للمواطنين المغاربة. فبدلًا من الاعتماد على إجراءات الإغاثة الطارئة التي قد تستغرق وقتًا وتواجه صعوبات لوجستية، ستتيح المنصة توفيرًا فوريًا للمواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الضرورية الأخرى، مما يساهم في التخفيف من معاناة المتضررين وحماية أرواحهم وكرامتهم.
خطاب 2021
إذا كان تجسيد مشروع المخزون الاستراتيجي والاحتياطي على الصعيد الجهوي قد تحقق سنة 2025، فإن الرؤية الملكية الاستباقية شكلت الحافز الأولى لتحريك هذا المشروع الاستراتيجي. وهكذا، دعا الملك محمد السادس خلال افتتاحه أشغال البرلمان في السنة الأولى من الولاية التشريعية الجديدة، أي 8 أكتوبر 2021، إلى إحداث منظومة متكاملة تحفظ للمغرب أمنه الغذائي والدوائي والطاقي.
جاء ذلك في سياق خروج بلادنا من جائحة فيروس “كورنا”، والتي أثبت فيها المغرب فعالية كبيرة في تدبير الأزمة. وهكذا، ركز الملك في هذا الخطاب على ضرورة تعزيز مكانة المغرب والدفاع عن مصالحه العليا “لاسيما في ظرفية مشحونة بالعديد من التحديات والمخاطر والتهديدات”، وأضاف “لقد أبانت الأزمة الوبائية عن عودة قضايا السيادة للواجهة والتسابق من أجل تحصينها في مختلف أبعادها الصحية والطاقية والصناعية والغذائية، مع ما يواكب ذلك من تعصب من طرف البعض”.
وخلص الخطاب الملكي إلى أنه “إذا كان المغرب قد تمكن من تزويد أسواقه بطريقة عادية وكميات كافية، فإن العديد من الدول سجلت اختلالات كبيرة في توفير هذه المواد وتوزيعها”، ليتحدث عن “ضرورة إحداث منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد”.
السيادة الوطنية
يمثل إطلاق منصة المخزون والاحتياطات الأولية خطوة رائدة تؤكد التزام المغرب بتعزيز قدراته في إدارة المخاطر والاستعداد للكوارث. إنه استثمار استراتيجي في حماية الأرواح والممتلكات وتعزيز صمود المجتمع في وجه التحديات الطبيعية. من خلال هذه المبادرة الهامة، يخطو المغرب بثبات نحو مستقبل أكثر أمانًا واستدامة.
إن إطلاق منصة المخزون والاحتياطات الأولية سيكون له تأثيرات إيجابية متعددة الأبعاد على قدرة المغرب في مواجهة الكوارث:
• سرعة وفعالية الاستجابة: ستتيح المنصة استجابة فورية وفعالة لاحتياجات المتضررين، مما يقلل من فترة المعاناة ويساهم في إنقاذ الأرواح؛
• تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية: سيعزز وجود مخزون استراتيجي قدرة المغرب على الاعتماد على موارده الذاتية في المراحل الأولى من الاستجابة للكوارث؛
• تعزيز التنسيق بين الجهات المعنية: ستساهم المنصة في تعزيز التنسيق والتعاون بين مختلف الجهات الحكومية والمؤسسات المعنية بإدارة الكوارث وعمليات الإغاثة.
• بناء الثقة لدى المواطنين: يعكس هذا المشروع اهتمام الدولة بسلامة ورفاهية مواطنيها ويعزز شعورهم بالأمان والثقة في قدرة الحكومة على حمايتهم في الظروف الصعبة.
وتم تصميم هذه المنصات الجهوية، البالغ عددها 12، والتي تم اختيار مواقعها بشكل يستجيب لمعايير السلامة، على أساس تحليل معمق لاحتياجات كل جهة من جهات المملكة، أخذا بعين الاعتبار للمخاطر التي تنطوي عليها، مدعوما بدراسة أفضل الممارسات والمعايير الدولية في هذا المجال، من خلال تعبئة استثمارات تناهز 7 ملايير درهم، 2 مليار درهم منها للبناء، و5 مليار لاقتناء المواد والتجهيزات.
وسيتم إنجاز المنصات الجهوية الـ12، من خلال تعبئة وعاء عقاري إجمالي تبلغ مساحته 240 هكتارا، لاحتضان 36 مستودعا، موزعة وفقا لمعايير الكثافة السكانية لكل جهة والمخاطر المحتملة. وهكذا، فبالنسبة للجهات الست الدار البيضاء – سطات، والرباط سلا-القنيطرة، ومراكش-آسفي، وفاس- مكناس، وطنجة-تطوان-الحسيمة، وسوس-ماسة، ستتكون المنصات من أربعة مستودعات، بمساحة إجمالية تصل إلى 20 ألف متر مربع لكل واحدة منها. فيما ستحتوي المنصات الست الأخرى: جهة الشرق، وبني ملال – خنيفرة، ودرعة – تافيلالت، وكلميم-واد نون، والعيون-الساقية الحمراء، والداخلة – واد الذهب، على مستودعين بمساحة اجمالية تبلغ 10 آلاف متر مربع لكل واحدة.
وتهدف المواد والتجهيزات التي سيتم تخزينها بهذه المنصات إلى ضمان، في حالة وقوع كارثة، استجابة سريعة لفائدة السكان المتضررين وتغطية عاجلة ومعقولة للاحتياجات في مجال الإنقاذ والمساعدة والتكفل، وفقا للرؤية الملكية. وفي هذا الصدد، ستغطي هذه المواد والتجهيزات، الموجهة للنشر الفوري بعد الوقوع المحتمل لكارثة طبيعية خدمات الإيواء، وإطعام السكان المتضررين، وتغطية احتياجاتهم من مياه الشرب والكهرباء، والتكفل برعايتهم الصحية.
كما يتعلق الأمر، على وجه الخصوص، بتطوير قدرات الإنقاذ والتدخل في حالة وقوع كوارث، وإنشاء مخزونات التجهيزات اللازمة لمواجهة الفيضانات، والإنقاذ في حالات الزلازل والانهيارات الأرضية والطينية، ومكافحة المخاطر الكيماوية، الصناعية أو الإشعاعية. وستتولى المديرية العامة للوقاية المدنية تدبير هذه المنصات، بقيادة وإشراف ولاة الجهات.
أما تخزين المنتوجات الغذائية والأدوية، فستشرف على تدبيره فرق متخصصة، وسيخضع لقواعد صارمة للغاية، بشكل يستجيب للمعايير المعمول بها في هذا المجال. وسيتم تأطير عملية نشر المواد والمعدات المخزنة في المنصات الجهوية، من خلال نظام تدبير موحد ورقمي من شأنه ضمان أجل زمني متوسط للتدخلات الأولية، انطلاقا من هذه المنصات نحو مكان وقوع الكارثة خلال الساعات ال 6 التي تلي انطلاق عملية الإغاثة.