24 ساعة-أسماء خيندوف
يشهد التنافس بين المغرب والجزائر في منطقة المغرب العربي امتدادًا إلى دول الساحل الأفريقي، حيث تسعى الدولتان إلى ترسيخ نفوذهما الإقليمي من خلال مشاريع اقتصادية وجيوسياسية. وبينما تواجه الجزائر تحديات تعيق تعزيز حضورها ونفوذها، تواصل الرباط ترسيخ مكانتها كفاعل إقليمي بارز مستندة إلى استراتيجيات القوة الناعمة.
وفي هذا الإطار، تناولت مجلة “جون أفريك” الفرنسية في تقرير مفصل المنافسة المتصاعدة بين المغرب والجزائر في منطقة الساحل، حيث أشارت إلى أن هذا التنافس يسلط الضوء على الاختلافات في نهج كل منهما، في ظل التحديات الجيوسياسية المشتركة.
مبادرة الأطلسي.. الرؤية المغربية للساحل
أفادت المجلة أن في 6 نونبر 2023، وخلال خطاب بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، أعلن الملك محمد السادس عن استراتيجية جيوسياسية جديدة تهدف إلى تعزيز وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي. هذه المبادرة، التي أطلق عليها اسم “مبادرة الأطلسي”، تسعى إلى فك العزلة عن دول الساحل عبر مشاريع تنموية واقتصادية.
وذكرت جون أفريك أن المغرب استضاف بعد ذلك اجتماعا وزاريا في مراكش بمشاركة وزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد لمناقشة هذه المبادرة. و رغم الطموحات الكبيرة، لا تزال هذه المشاريع قيد الدراسة، لكنها تحمل أبعادا رمزية وجيوسياسية واضحة، في ظل رغبة الجزائر في الوصول إلى الأطلسي أيضا.
رد فعل الجزائر
أوضحت المجلة أن في فبراير 2024، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن إنشاء مناطق تجارية حرة مع دول الساحل مثل مالي والنيجر، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي. مؤكدة على محاولات الجزائر لاستعادة نفوذها التقليدي في الساحل بعد فترة من التراجع.
كما أوردت المجلة مشاريع مثل الطريق العابرة للصحراء وطريق تندوف-زويرات (الجزائر-موريتانيا)، التي تشكل جزءا من الرؤية الجزائرية لتعزيز التكامل مع دول المنطقة. ومع ذلك، اعتبرت المجلة أن الإنجازات الميدانية الجزائرية لا تزال محدودة، مقارنة بالإعلانات الطموحة.
الساحل ساحة تنافسية.. تضارب الرؤى والمصالح
وفقا لتحليل جون أفريك، شهدت منطقة الساحل تحولا ملحوظا في ديناميكيات النفوذ بين المغرب والجزائر. فمنذ 2014، ركز المغرب على تعزيز علاقاته الأفريقية من خلال استثمارات اقتصادية ومشاريع إنسانية، بينما واجهت الجزائر تحديات داخلية حالت دون تحقيق تقدم مماثل.
ومع ذلك، ترى المجلة أن الجزائر لطالما اعتبرت الساحل “حديقتها الخلفية”، وتعاملت معه من منطلق أمني، حيث ركزت على مواجهة التهديدات الحدودية مثل الإرهاب والتمرد الطوارقي.
المغرب.. نهج إقليمي مختلف
شددت جون أفريك على أن المغرب يعتمد على القوة الناعمة لتعزيز حضوره في الساحل. فهو يقدم مساعدات إنسانية، ويبني مشاريع تنموية، مثل مستشفى الملك محمد السادس في باماكو، ويعزز الروابط الروحية والتاريخية عبر تدريب الأئمة من دول المنطقة.
و في المقابل، يركز المغرب على الاستثمار في البنى التحتية والمصارف، مع تطلع طويل الأمد نحو تحقيق التكامل الاقتصادي مع دول الساحل. ووفقاً للمجلة، يراهن المغرب على بناء شراكات تدريجية بعيداً عن التوترات السياسية.
و اختتمت المجلة الفرنسية، تحليلها بالإشارة إلى أن التنافس المغربي-الجزائري في الساحل يعيق فرص التعاون الإقليمي. ومع استمرار المشاريع الكبرى مثل خط أنابيب الغاز بين نيجيريا و المغرب، تطالب دول الساحل البلدين بتجاوز الخلافات التاريخية والتركيز على تحقيق التنمية والاستقرار. وبينما تتحرك قوى عالمية مثل أمريكا و روسيا والصين بوتيرة أسرع في المنطقة، يبقى على المغرب والجزائر تقديم خطوات ملموسة تعكس التزامهما الحقيقي بالشراكة مع الساحل.