أعترف أنني توقفت طويلا عن الكتابة، مارست رياضة التأمل طويلا في شهر غشت الماضي، في مواجهة شخصية مع تتالي تكسر أمواج المحيط الأطلسي صيفا، كان السؤال يُلح علي: هل أصبح الصراخ عبر الكتابة دون أي نجاعة في مغرب اليوم؟
وتفاعلا مع خطاب العاهل المغربي محمد السادس، في افتتاح السنة التشريعية للبرلمان، ولما ورد فيه من “جيل جديد من الرسائل الإيجابية جدا”: من أجل مغرب أفضل، انطلاقا من الوقوف على الواقع بكل ألوانه، والاعتراف أساسا أن الوضع الحالي للشباب المغربي ليس بخير، وأن الأمر مغربيا يحتاج إلى “إحداث رجة قوية”، وغير مسبوقة، يمكن أن تصل إلى “زلزال سياسي”، عدت لتمرين الكتابة من جديد.
أعتقد أن الخطاب الملكي لمحمد السادس، من تحت قبة البرلمان، دعوة مفتوحة لنقاش جماعي مغربي جاد وهادف، بعيدا عن التملق والإنشاء، لتحمل جماعي للمسؤولية، لعودة قطار الإصلاحات من جديد إلى سرعته الحقيقية، بعد أن نبتت غابات الأمل في المغرب، وتحركت مياها راكدة في برك اجتماعية، وتطلعت رقاب أجيال لمغرب أفضل بالجميع ومع الجميل.
أومن أن العاهل محمد السادس قد إصلاحات غير مسبوقة في المغرب، وغير إلى الأبد المملكة المغربية صوب الأفضل، ولكن يبقى الأمل الجماعي في تحقيق المزيد عطشا يحتاج إلى غيث من ديناميات إصلاحية جديدة، بنخب جديدة، وبرجات علاجية تنفع البلاد والعباد، وتحمل بصمة وتوقيع محمد السادس.
وفي قراءتي الشخصية، يقف المغرب على أبواب أول تمرين تطبيقي لمبدأ دستوري، ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، لأن الرأي العام المغربي ينتظر مكافئة من أحسنوا خدمته، وعقابا قبل عزل لمن تسبب في تأخر مشاريع، ومن تسبب في هدر للمال العمومي عبثا، ولمن طال جلوسه في المسؤولية من باب البيروقراطية دون نتائج، لكل من تسببوا في إضاعة ساعات الزمن المغربي المعاصر.
فمن أجل مغرب ما بعد دستور 2011، وما بعد إعلان المملكة المغربية الثانية، لا زلت مؤمنا، بالحاجة الماسة، إلى تعاقد اجتماعي جديد، يقدم تفاصيل ما أسماه العاهل المغربي في خطابه الأخير بـ “النموذج التنموي الجديد”، وبما يفضي إلى ولادة جيل جديد من الإصلاحات، أي الدفع بقطار المملكة المغربية قدما صوب الأمام، بكل شجاعة وإصرار.
ففي الأسبوع الأخير من رمضان، وضعت شاشيتي الصفراء اللون، على رأسي، وتوجهت نهارا، صوب أشهر سوق في مدينة الحسيمة، في زيارة ميدانية مهنية، لا أحد يرغب في الكلام أمام الكاميرا، للأسف الشديد صرخ باعة بغضب وبقلة أدب في وجهي، وأطلق بائع بالأمازيغية عبارات مسيئة، وبقيت صامتا أستمع، فيما بث آخرون شكواهم.
فانطلاقا من أسفاري المهنية، وقفت مرارا على معاناة المغرب اجتماعيا، من أمراض العزلة الجغرافية، والقسوة الاجتماعية، وتراكمات سلبية من التاريخ، وفشل المدرسة العمومية في إنتاج شباب واعي، بهوية مشتركة بين كل المغاربة، له القدرة على الدفاع عن مطالبه الخاصة، من مُنطلق المشترك.
فالاحتجاجات الاجتماعية، في مدينة الحسيمة مثلا، وفي مناطق مغربية أخرى، هي في قراءتي: “صرخة مغربية الصنع”، تعلن عن فشل سياسات حكومية وعمومية، وتعلن الحاجة إلى صفحة جماعية جديدة، ولكنها تكشف أيضا أن المغرب قوي بشبابه وباحتجاجاته.
فلا يمكن إنكار أن الشباب المغربي في الحسيمة، من المحتجين، احترفوا الشارع ملعبا للتعبير عن همومهم، وعن تطلعاتهم تحت سقف الوطن الواحد، كما استوردوا من التاريخ القريب، شعارات دخلت إلى المشترك الاحتجاجي الجماعي المغربي.
ففي توقعاتي، تواجه المغرب احتمالية واردة بـ 5 سنوات قادمة، من الاحتجاجات الاجتماعية: احتجاجات تضع اليد على الخصاص، الذي تعانيه قرى ومدن مغربية، في مجالات اجتماعية: الصحة والتعليم والطرق والماء الشروب والشغل.
وأعتقد أن المحتجين في المغرب، مطالبين بمغادرة ملعب الشعارات والاحتجاج السلمي، صوب مقاربة جديدة قائمة على الشراكة في الحوارات، وبناء أرضيات الثقة، وتقديم حلول بديلة، والتحول لقوة اقتراحية وسواعد للبناء.
وهنا أستحضر أصحابا لي، يشتغلون في صمت وبدون ضجيج، منذ سنوات ماضية، في الترافع عبر النقاش، من أجل إنتاج تشريعي لأول قانون مغربي للمناطق الجبلية، عبر طرق الأبواب في الرباط، وعقد الندوات، والبحث عن تمويل لتحقيق أحلام نبتت من أفكارهم.
فخطاب العاهل المغربي محمد السادس، للجمعة الثانية، من شهر أكتوبر 2017، دعوة لكل النخب الإيجابية في الرؤية للمغرب الجماعي الممكن، للمشاركة في نقاش مجتمعي، عن النموذج المغربي الممكن، عن الوصفة التي يمكنها أن تخرج المغاربة من الوضع الحالي، صوب منطقة أكثر إنتاجا للأمن الاجتماعي الجماعي.
ومن أجل تعاقد مغربي جماعي جديد، يحتاج المغرب لكل منتج للفكرة.