24 ساعة ـ متابعة
في سياق إقليمي يتسم بتحولات جيوسياسية عميقة، يبرز التمرين العسكري المتعدد الجنسيات “الأسد الأفريقي”. في نسخته الحادية والعشرين ، في الفترة ما بين 12 و 23ماي 2025 في المغرب، كمنصة رائدة لإعادة صياغة الأمن القاري الأفريقي. وفقا لتحليل معهد الجيوسياسية الأفق.
يمثل هذا التمرين، الذي يقوده المغرب بالشراكة مع الولايات المتحدة، نواة لمشروع طموح يحمل اسم “سيمبا” (الهيكلية المتكاملة متعددة الجنسيات للألوية الأفريقية)، وهي رؤية استراتيجية تهدف إلى بناء أمن أفريقي مستقل ومستدام يتماشى مع “عقيدة أبيدجان” التي أعلنها الملك محمد السادس في فبراير 2014.
“الأسد الأفريقي 2025”: نقطة تحول تاريخية
يعد التمرين في نسخته الحالية الأضخم منذ انطلاقته في 2004، حيث يشارك أكثر من 10,000 جندي من 40 دولة في ست مناطق مغربية (أكادير، طانطان، تزنيت، القنيطرة، بنكرير، وتيفنيت). هذا الحدث، الذي يمتد ليشمل تونس في مرحلته الأولى (22-30 أبريل)، ليس مجرد مناورة عسكرية، بل منصة لتطوير نموذج أمني أفريقي يجمع بين القدرات التقنية الغربية والشرعية الإقليمية..
دروس من الفشل الفرنسي في الساحل
كشفت العمليات الفرنسية في الساحل، مثل “سيرفال” و”برخان”، عن قصور النهج الخارجي في تحقيق الاستقرار. فقد عانت هذه التدخلات من غياب الشرعية المحلية، ضعف تمكين الجيوش الأفريقية، وسوء فهم الديناميات الاجتماعية والثقافية. في المقابل، يقدم “الأسد الأفريقي” نموذجا مغايرا يعتمد على قيادة أفريقية، مع الاستفادة من الخبرة الغربية. ويؤكد عبد الحكيم يماني، رئيس معهد الجيوسياسية الأفق، أن “التجربة الفرنسية أظهرت حدود النهج العسكري البحت وضرورة اعتماد استراتيجية شاملة تقودها أطراف محلية.”
لماذا المغرب؟
ووفق تقرقر العهد، يتمتع المغرب بمزايا استراتيجية تجعله مرشحا مثاليا لقيادة هذا النموذج الأمني: الاستقرار السياسي والمؤسساتي: يوفر بيئة موثوقة في ظل الاضطرابات الإقليمية. جيش حديث: متوافق مع معايير الناتو، مزود بطائرات “إف-16 فايبر”، طائرات بدون طيار، ودبابات متطورة. كما يتمتع المغرب بخبرة في حفظ السلام، من خلال مشاركته في بعثات الأمم المتحدة مثل “مينورسو” في إفريقيا الوسطى و”مونوسكو” في الكونغو. و لديه دبلوماسية عسكرية فعالة عبر شبكة من الملحقين العسكريين وتدريب الكوادر الأفريقية. و أيضا رفض القواعد الأجنبية، مما يعزز سيادته الوطنية مع الحفاظ على تعاون عسكري متقدم.
“سيمبا”: نحو هيكلية أمنية دائمة
يقترح معهد الجيوسياسية الأفق تطوير “الأسد الأفريقي” إلى هيكلية دائمة تحمل اسم “سيمبا”، وهو اسم مستوحى من كلمة “أسد” بالسواحيلية، يرمز إلى القوة والقيادة الأفريقية. تشمل رؤية “سيمبا”: عبر إنشاء وحدة تنسيق استراتيجي دائمة. ومقر مشترك متنقل ثنائي اللغة (عربي/إنجليزي). ودمج وحدات إقليمية من منظمات مثل “إيكواس” و”مجموعة الساحل الخماسية”. وتعزيز القدرات في الاستخبارات، الطائرات بدون طيار، والأمن السيبراني. اضافة الى توسيع النطاق الجغرافي ليشمل خليج غينيا والساحل الأطلسي.
نهج شامل للاستقرار
لا يقتصر “الأسد الأفريقي” على البعد العسكري، بل يندرج ضمن استراتيجية شاملة تربط الأمن بالتنمية. تشمل هذه الرؤية: نشر طائرات بدون طيار للرصد والتدخل السريع. وتدريب وتجهيز القوات المحلية لتعزيز استقلاليتها. ودعم مشاريع تنموية مثل نقاط المياه، المراكز الصحية، والمدارس.
ربط الأمن بالمبادرات الإقليمية مثل “مبادرة الوصول إلى الأطلسي” لدول الساحل.
يمثل “الأسد الأفريقي 2025″ أكثر من مجرد تمرين عسكري؛ إنه نواة لـ”سيمبا”. الهيكلية التي قد تعيد تشكيل الأمن الأفريقي بقيادة مغربية. في ظل تراجع النماذج الأمنية الخارجية، يقدم المغرب نموذجا متوازنا يجمع بين الكفاءة العملياتية والشرعية الإقليمية. ومع استمرار هذا التحول، يظل التحدي الأكبر هو ضمان الملكية المحلية، التنسيق الدولي، وتحقيق نتائج ملموسة تعود بالنفع على شعوب القارة.