إعداد-زينب لوطفي
الرياضيون المغاربة ليسوا مجرد أبطال في ميادينهم، بل هم رموز للعزيمة والإرادة التي تعكس قيم الانضباط، الصبر، والعمل الجاد.
في رمضان، حيث تتعزز الروح الإنسانية والتضامن، نلتقي مع هؤلاء الأبطال الذين استطاعوا أن يصبحوا قدوة للأجيال الجديدة، محققين إنجازات عظيمة على المستويين الوطني والدولي.
كل حلقة من هذه السلسلة ستأخذنا في رحلة عبر مسيرة أحد الرياضيين المغاربة، نستعرض خلالها أبرز محطات حياته المهنية والشخصية، وكيف تحدى الصعاب ليصل إلى القمة.
إن قصصهم تحمل في طياتها دروسًا في القوة الداخلية والتفاني في العمل، مما يجعلها مصدر إلهام لكل متابع.
انضموا إلينا في هذه الرحلة الرمضانية المميزة عبر جريدة “24 ساعة” الإلكترونية، وتعرفوا على أبطال المغرب الذين رفعوا اسم بلدهم عاليًا في مختلف المحافل الرياضية.
الحلقة الثانية والعشرون
يُعتبر عبد السلام الراضي من أبرز رموز الرياضة المغربية، وأول عداء يمنح المغرب ميدالية أولمبية في تاريخ مشاركاته.
وُلد عبد السلام الراضي في 28 فبراير 1929 بمنطقة تاونات، في أعالي جبال الريف، حيث نشأ في أسرة بسيطة تعتمد على الفلاحة ورعي الأغنام، كانت حياته الأولى مليئة بالمعاناة، قبل أن تأخذه الأقدار نحو مسار رياضي سيظل محفورًا في ذاكرة المغاربة.
مع خضوع المغرب للحماية الفرنسية، التحق عبد السلام الراضي في عام 1950 بصفوف الجيش الفرنسي، حيث انضم إلى فوج المشاة المغربي الخامس ثم فوج المشاة الخامس والعشرين، وخلال فترة وجوده في مدينة ديجون بفرنسا، اكتشف رؤساؤه قدرته الفريدة على الجري لمسافات طويلة دون عناء، متوقعين له مستقبلًا واعدًا في ألعاب القوى.
بفضل سرعته الفائقة وقدرته على التحمل، أصبح الراضي معروفًا في الأوساط الرياضية العسكرية بـ”بطل الخمسة كيلومترات”، حيث تمكن من حصد العديد من الميداليات في هذه المسافة. لكنه في تلك الفترة، لم يكن بإمكانه تمثيل وطنه المغرب بسبب الاستعمار، ما جعله يشارك تحت ألوان فرنسا ويفوز بذهبية “سباق الأمم”.
مع استقلال المغرب سنة 1956، كان الراضي على موعد مع قرار تاريخي، رغم كل الإغراءات التي عُرضت عليه من فرنسا وبلجيكا لحمل جنسيتيهما، أصر على تمثيل بلده الأصلي في المحافل الدولية. وبعد أن فاتته فرصة المشاركة في أولمبياد ملبورن 1956، كان حلمه الكبير هو المشاركة في أولمبياد روما 1960.
في دورة الألعاب الأولمبية بروما 1960، سافر عبد السلام الراضي بمفرده دون أي معدات أو مدربين، في وقت لم يستطع فيه أي رياضي مغربي آخر حصد ميدالية خلال 16 يومًا من المنافسات. كانت الأنظار موجهة نحو سباق الماراثون، حيث كان العداء الإثيوبي أبيبي بيكيلا المرشح الأبرز للفوز، خاصة وأنه اشتهر بخوض السباقات حافي القدمين.
قبل السباق، نبه مدرب بيكيلا من العداء المغربي الذي يحمل الرقم 26، وهو ما دفع الراضي بذكاء إلى تغيير رقمه إلى 185، في خطوة أربكت خصومه، خلال السباق، طارد الراضي البطل الإثيوبي لعدة كيلومترات، وظل بيكيلا يلتفت مرارًا لتفقد مطارده الذي لم يتوقف عن الضغط. في الأمتار الأخيرة، نجح العداء الإثيوبي في زيادة سرعته والفوز بالميدالية الذهبية، فيما احتل عبد السلام الراضي المركز الثاني، ليهدي المغرب أول ميدالية فضية أولمبية في تاريخه.
عند عودته إلى أرض الوطن، حظي عبد السلام الراضي باستقبال رسمي من الملك الراحل محمد الخامس، تقديرًا لإنجازه التاريخي الذي رفع به راية المغرب في سماء العالمية. وبعد انتهاء مسيرته الرياضية، عاد إلى فرنسا لإتمام مساره في سلك الجندية، قبل أن يتقاعد ويستقر بصفة نهائية في مدينة فاس، وفي الرابع من أكتوبر سنة 2000، وافته المنية.