سناء الجدني-الرباط
في الوقت الذي كان فيه مجال الطيران حكراً على الرجال فقط، والقليل من النساء الأجنبيات ممن تهيأت لهن الظروف لمزاولة مهنة ربان طائرة، تمكنت المغربية ثريا الشاوي، ذات 16 سنة، من الدخول إلى هذا المجال، الذي أحبته بمحض الصدفة
و في عهد كان خروج المرأة وحده، يعد ضربا لعادات المجتمع بعرض الحائط، وخروجا صارخا عن المألوف، يافعة مغربية استطاعت التَّغلب على كل المعيقات وإثبات قدراتها وتميزها وأخذ مسؤولية طائرة وركابها على عاتقها، وتصبح بذلك مثالا مُشرِّفا للمرأة المغربية في زمن كان عدد الطيارات الأوروبيات والأمريكيات يعد فيه على رُؤوس الأصابع.
ثريا الشاوي ضحية لاغتيالين؛ اغتيال سياسي أودى بحياتها وهي لم تتمم العشرين ربيعا، واغتيال إعلامي أقصاها ودفن ذكراها بالرغم من أنها أول امرأة طيارة في المغرب. رغم حداثة سنها، إلا أنها شاركت في عمليات ضد المستعمر وكانت من أوائل المدافعات عن حقوق المرأة بالمغرب.
في أحد أيام دجنبر 1936، سترى ثريا الشاوي النور بمدينة فاس، تحديدا بحومة القلاقليين، لأب رائد في المسرح المغربي آنذاك، اسمه عبد الواحد الشاوي، وأم اسمها زينة.
في كنف هذه الأسرة ستنشأ ثريا. وإذا كانت الفتيات عادة يحبن اللهو بالدمى وألعاب الأطفال الأخرى، فإن ثريا منذ فجر صباها، ستولع بالألعاب المكانيكية الصغيرة، من سيارات وطائرات.
وعندما أطفأت ثريا الشاوي شمعة عامها الثالث، ألم بها مرض صدري جاثم، أرهق والدها. وحين أخذها إلى طبيب بفاس، نصحه بأن يأخذها إلى مطار المدينة، فيبحث عن طيار يقوم لها بجولة في السماء، علّ هواء الأعالي، يشفي مرضها، وحاول الأب جاهداً من أجل تحقيق هذا الأمر، وبعد جهد كبير، تمكن من الحصول على إذن للقيام بجولة في السماء، فحلقت ثريا للمرة الأولى في حياتها.
رحلة كان الهدف منها العلاج، لكن وقعت الطفلة الصغيرة في حب الطيران، وقررت حينها أنها تريد الاشتغال في هذا المجال، ومنذ ذلك الحين لم يفارق هذا الحلم إبنة أزقة فاس، أينما حلت وإرتحلت.
وفي وقت كان تعليم النساء غير شائع، وبالرغم المعيقات قرر الأب تحقيق حلم إبنته، فبعد أن شاركت رفقته في أول عمل فني لها، من خلال الفيلم الفرنسي “la septieme porte” أو الباب السابع، للمخرج أندريه زوبادا.
وبعد سنتين فقط، تم تسجيلها في مدرسة الطيران المتواجدة في منطقة “تيط مليل” نواحي مدينة الدار البيضاء.
وداخل مدرسة الطيران هذه التي كانت حكراً على الفرنسيين والإسبان فقط، وجدت ثريا نفسها وسطهم، وكان كل من فيها رافضاً فكرة انضمام فتاة مغربية لهذا المجال، إلا أن الأب تمكن في الأخير من تحقيق مراد ابنته الصغيرة، التي كان عمرها 15 سنة فقط، وانتقل للعيش رفقة بقية عائلته في مدينة الدار البيضاء؛ ليكون قريباً منها خلال فترة التدريب.
لم يكن الطريق معبدا ولا ورديا أمام ثريا، بل عانت فيه وناضلت إلى أن اجتازت امتحان الكفاءة يوم 17 أكتوبر 1951، وحلقت على علو ثلاثة آلاف متر، وقطعت مسافة دائرية على طول 40 كيلومترا ثم نزلت أخيرا تحت تصفيق الحاضرين من الصحافة، وانبهار غير ذي نظير من قبل لجنة الامتحان. فتوجت بذلك حلمها، ونالت شهادة الكفاءة لقيادة الطائرات، بامتياز لتكون أول طيارة مغاربية وهي في سن السادسة عشر.
لم يمر هذا الحدث مرور الكرام فبعد اجتياز ثريا الشاوي لامتحاناتها بتفوق وتميز، وحصولها على شهادة الطيران، خَصَّصت كُبريات الإذاعات العالمية حيزا مهما من وقتها للإعلان عن نجاح الشهيدة ثريا الشاوي في امتحان الطيران بمدرسة “تيط مليل” بالدار البيضاء؛ لتتوالى عليها البرقيات والرسائل المهنئة حينها من بطل الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي من القاهرة.، ومن أول ربانة طائرة فرنسية “جاكلين أريول”، ومن ملك تونس، وملك ليبيا عبد الله السنوسي، والإتحاد النسوي الجزائري، والإتحاد النسوي التونسي، ومن الأستاذ علال الفاسي؛ ليستقبلها الملك محمد الخامس بالقصر الملكي بالرباط، مصحوبة بوالدها عبد الواحد الشاوي.
بالرغم من كل هذا الإفتخار ومسارها المشرف، ونجاحها المستمر في مجال الطيران، لكن ثريا لم تحصل على التصفيقات والتشجيعات فقط، لكنها كانت تتعرض للمحاربة ومحاولات اغتيال مستمرة، ابتداء من سنة 1954، وصولاً إلى سنة 1956، وهي السنة التي حصل فيها المغرب على الاستقلال من الحماية الفرنسية.
لكن لم تكن كل محاولات القتل هذه فاشلة، إذ تم اغتيالها يوم 17 نونبر من سنة 1956، عندما كانت تبلغ من العمر 19 سنة فقط، وقبل يوم واحد من إعلان الاستقلال، تعرضت للقتل من طرف شخص يُدعى أحمد الطويل، بعد أن أفرغ مسدسه بالكامل في رأسها، وهرب تاركاً وراءه ثريا غارقة في دمائها.
وعلى الرغم من فرحة الإستقلال وشم ريح الحرية عند كل المغاربة، فإن حادث وفاة ثريا الشاوي شكل صدمة كبيرة، وتم تشييع جنازتها بحضور 60 ألف شخص، ودعوها إلى مثواها الأخير بدموع تملؤها الحسرة والألم.