الأناضول
تعيش موريتانيا منذ أيام على وقع جدل سياسي قانوني محتدم، بشأن إسقاط مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) لمشروع تعديل الدستور المقدم من الحكومة، بعد أسبوع من إجازته من طرف الجمعية الوطنية (الغرفة الأولى للبرلمان).
والجمعة الماضية، أسقط مجلس الشيوخ، مشروع التعديلات الدستورية، بعدما صوت 33 عضواً (من إجمالي 56) ضد مشروع التعديلات (62٪)، مقابل 20 صوتوا بنعم لصالحها (37٪) وواحد بالحياد، فيما غاب عضوان آخران.
وقبلها بأسبوع صوت نواب الجمعية الوطنية، لصالح إجازة التعديلات الدستورية بأغلبية 121 نائبا (82 بالمئة) من أصل 147 نائبا.
ومنذ إعلان رفض الشيوخ للتعديلات الدستورية، تعيش الساحة السياسية الموريتانية جدلا واسعا، ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي وتصدر برامج المحطات التلفزيونية والإذاعية المحلية.
وخرجت أغلب أحزاب المعارضة ببيانات مرحبة بالخطوة، ومطالبة بحماية أعضاء مجلس الشيوخ من أي مضايقات قد يتعرضون لها، فيما التزمت الحكومة وحزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، الصمت حتى ظهر أمس الاثنين.
ويبلغ مجموع أعضاء غرفة مجلس الشيوخ البرلمانية 56 شيخا، ينتمي 43 منهم للحزب الحاكم، فيما ينتمي 10 منهم لأحزاب أو أطراف برلمانية معارضة، بينما ينتمي بقية الأعضاء لأحزاب منضوية تحت المعارضة المحاورة.
وتنص المادة 99 من الدستور الموريتاني، على أنه “لا يصادق على مشروع مراجعة الدستور إلا إذا صوّت عليه ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية، وثلثا أعضاء مجلس الشيوخ، ليتسنى تقديمه للاستفتاء”.
وينص الدستور أيضا على أنه بعد المصادقة الأولية على مراجعة تعديل الدستور من طرف البرلمان، يكون من حق رئيس الجمهورية تقديمه للاستفتاء الشعبي، أو تمريره عبر مؤتمر برلماني (أي خلال جلسة برلمانية مشتركة يحضرها أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ وتتم داخل مبنى الجمعية الوطنية) في وهذه الحالة يحتاج ثلاثة أخماس (5/3) الأصوات المعبر عنها.
وتشمل أبرز التعديلات الدستورية التي قدمتها الحكومة وأسقطها مجلس الشيوخ، إلغاء محكمة العدل السامية (العليا) المعنية بمحاكمة الرئيس وأعضاء الحكومة، وإنشاء مجالس جهوية (إدارية) للتنمية، وتوسيع النسبية في الانتخابات العامة، وتغيير العلم الوطني، وإلغاء غرفة مجلس الشيوخ، بينما لا تتضمن التمديد لولاية ثالثة لرئيس البلاد.
خيارات الرئيس الدستورية
ويرى الخبير وأستاذ القانون الدستوري بجامعة نواكشوط، سيد محمد ولد سيد أب، أن مسار التعديلات الدستورية الحالية توقف بشكل كامل بعد تصويت مجلس الشيوخ برفض هذه التعديلات.
ولفت ولد سيد أب، في حديث للأناضول، إلى أن الخيار الأهم والأبرز المتاح لرئيس الجمهورية بعد إسقاط مجلس الشيوخ للتعديلات، هو تشكيل لجنة تأسيسية يتم اختيارها من بين أهل الخبرة والكفاءة بالانتخاب أو عبر تعيينها بمرسوم من الحكومة، تشرف على كتابة مشروع دستور جديد، يتم عرضه بعد ذلك على الشعب في استفتاء عام.
وأضاف: “الدساتير لا تنص على طريقة الإلغاء، وإنما طرق التعديل، لكن يمكن أن تلغى من خلال كتابة مشروع دستور جديد، ينص في آخر مواده على إلغاء الدستور السابق فور اعتماده من قبل الشعب”.
تفسيرات المادة 38 من الدستور
ومنذ أسقط مجلس الشيوخ مشروع التعديلات الدستورية، يدور الجدل حول تفسير المادة 38 من الدستور، التي تنص على أنه “لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية”.
وفسر عدد من داعمي الرئيس محمد ولد عبد العزيز، هذه المادة، على أنها تتيح لرئيس الجمهورية عرض التعديلات الدستورية بشكل مباشر على الشعب في استفتاء عام، بغض النظر عن رفضها من طرف البرلمان.
لكن الخبير الدستوري ولد سيد أب، اعتبر أن فهم هذه المادة على هذا الشكل، يعد نوعا من التعسف في فهم النصوص القانونية، لافتا إلى أن هذه المادة تتعلق باستشارة الشعب في القضايا السياسة، ولا تتحدث عن مسار تعديل الدستور.
مظهر ديمقراطي أم صراع داخل الأغلبية؟
وتباينت آراء داعمي الرئيس ولد عبد العزيز ومعارضيه، بشأن تفسير رفض الشيوخ للتعديلات، بين من اعتبرها مظهرا ديمقراطيا، ومن رأى أنها انعكاس لصراع قوي داخل الأغلبية الحاكمة نفسها.
حيث اعتبر القيادي بحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، النائب الأول لرئيس الجمعية الوطنية الخليل ولد أطيب، أن تصويت الشيوخ برفض التعديلات، يعد انعكاسا لحرية التعبير في البلد ومظهرا ديمقراطيا.
ونفى ولد أطيب، في حديث للأناضول، أن يكون للمعارضة أي دور فيما حصل، مضيفا أنه قرار اتخذه “الشيوخ”، وأن محاولة المعارضة تسويقه على أنه نصر لحملاتها المناهضة لتعديل الدستور، يعد مغالطة.
ولفت إلى أن الخيارات المتاحة للرئيس كثيرة من بينها القراءة المقدمة من البعض للمادة 38 من الدستور، بأن للرئيس الحق في عرض التعديلات على الشعب في استفتاء.
وأضاف “عموما الخيارات المتاحة لرئيس الجمهورية كثيرة، الرئيس لديه أغلبية مريحة في البرلمان والشعب يقف إلى جانبه”.
لكن القيادي بالمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة (أكبر تحالف معارض في البلاد) محمد المصطفى ولد بدر الدين، اعتبر أن إسقاط الشيوخ للتعديلات عمّق الأزمة السياسية، ونقلها من أزمة بين النظام والمعارضة إلى أزمة بين مؤسسة رئاسة الجمهورية ومؤسسة مجلس الشيوخ.
ولفت ولد بدر الدين، في حديث للأناضول، إلى أن “الخيار الوحيد أمام الرئيس، هو الدعوة لحوار سياسي جديد يشارك فيه البرلمان وكل القوى المعارضة في البلاد، يتم خلالها التوافق على طريقة تعديل الدستور في جو سياسي توافقي”.
وأضاف “يمكنني القول أن حصيلة معركة تمرير الدستور كانت لصالح المعارضة التي اتخذت من إفشال التعديلات الدستورية هدفا خلال الفترة الأخيرة، وقد تحقق ذلك”.
ودعا ولد بدر الدين، إلى ضرورة العمل من أجل حماية مجلس الشيوخ من أي مضايقة سياسية قد يتعرضون لها (دون مزيد من التوضيحات بهذا الخصوص)، مشيدا بالخطوة التي اتخذوها، والتي وصفها بـ”التاريخية”.