الدكتور ناصر بوشيبة
قبل عشر سنوات تمت دعوتي للمساهمة كمستشار التسويق في تنمية منطقة قروية في الجنوب الصيني تدعى قرية سي تو سون، شبيهة لحد كبير بمدن الجهة الشرقية كجرادة، تويسيت وسيدي بوبكر. وكانت الساكنة المحلية تعتمد بالأساس على قطاع استخلاص المعادن. وبعد ان أوقفت الحكومة الصينية إستغلال هذه المناجم نظراً للتلوث الكبير الذي أحدثته، أصبحت الساكنة تعاني من فقر شديد وتزايدت الوقفات الإحتجاجية لإيجاد بديل إقتصادي.
تم عقد طاولة مستديرة على مستوى الجامعة، شارك فيها كل من المؤسسات الحكومية، وممثلي الحزب الشيوعي، والمجتمع المدني. وكانت معظم التدخلات تصب لإحداث منظومة (écosystème) تجمع بين السياحة القروية والفلاحة ذات المدخول المرتفع وتربية النحل مع الإستثمار في الترويج للمنطقة.
بالنسبة للسياحة الجبلية، قام الباحثون في الجامعات بتقديم بحوث عن طرق البناء القديمة من الحجر. وخصصت الحكومة الصينية الميزانية اللازمة لإعادة تهيئة القرية بالكامل من حيث الهندسة الخارجية وكذلك تهيأت غرف بالحمام لإستقبال السياح. في نفس الوقت قامت معاهد السياحة والجمعيات المحلية بتأهيل أبناء المنطقة على مهنة الإرشاد الجبلي والفندقة. وفِي ظرف سنة أصبحت الطاقة الإستيعابية للقرية تتجاوز الألف سرير.
في المجال الفلاحي، وبالتشاور مع الخبراء تم جلب فواكه جديدة من أمريكا الجنوبية وجنوب شرق اسيا كفاكهة التنين، والبرقوق الياباني والبشملة (المزاح) والبرتقال وغيرها من الفواكه الغالية الثمن والنادرة في السوق الصينية مع تنظيم مهرجانات في وقت القطف لجلب السياح. كما تمت إعادة غرس الجبال المتضررة من إستغلال المعادن بقصب البامبو السريع النمو والذي يمكن إستغلاله في صناعة الأثاث التقليدي. وبالنظر لكونها منطقة جبلية، فقد تم إحداث تعاونيات لجمع الأعشاب العطرية والطبية وإحداث وحدات لتجفيف وتغليف هذه الأعشاب وكذلك تم تشجيع تربية النحل بتقديم جميع الأدوات اللازمة مجانا مع تقديم التداريب اللازمة للقرويين.
واخيرا قامت الحكومة المحلية المنتخبة في القرية بتخصيص ميزانية مهمة للتعريف بالقرية عن طريق الأنترنت وعن طريق خلق شراكات مع وكالات الأسفار. وبعد وقت وجيز أصبحت القرية تستقطب محبي الرياضات الجبلية أولا لتمتد الى العائلات والرحلات المدرسية والشركات التي تبحث عن فضاء للراحة والإستجمام وكذلك اقتناء المنتوجات المحلية.
لقد عشت هذه التجربة عن قرب بصفتي مستشارا في التسويق وكذلك كزائر وفِي لهذه القرية والمناطق المجاورة لها خلال العطل. وعاينت كيف تحسنت وضعية القرويين المادية والمعنوية وكيف استعادت الحكومة الصينية ثقتهم بهذا البرنامج المتكامل. فهل بالإمكان الاستفادة من التجربة الصينية في إيجاد بديل إقتصادي لأهلنا في جرادة، تويسيت وسيدي بوبكر وغيرها من المناطق المهمشة في بلدنا؟
باحث في العلاقات الصينية الأفريقية بجامعة صن ياتسين ورئيس جمعية التعاون الأفريقي الصيني من أجل التنمية (ACCAD)