محمد أسوار- الرباط
سجلت طرق المملكة، في الآونة الأخيرة، أرقاما صادمة من حيث حوادث السير التي خلفت حصيلة ثقيلة في الأرواح وخسائر مادية جسيمة.
وبلغ عدد قتلى حادثة سير وقعت على الطريق الوطنية رقم 11 على مستوى اقليم خريبكة، منتصف غشت الماضي، 23 قتيلا وأزيد من 36 جريحا، إثر انقلاب حافلة لنقل المسافرين، فيما بلغت حصيلة حوادث السير، وفق آخر المعطيات الرسمية، أزيد من 10 قتلى و 2324 في ظرف أسبوع واحد ( من 5 إلى 11 شتنبر الجاري).
ويحتل المغرب المراتب الأولى عربيا وعالميا، من حيث عدد الضحايا والخسائر التي تخلفها حوادث السير، فيما يعزى مراقبون ذلك إلى عوامل متعددة مرتبطة أساسا بغياب المراقبة والسرعة المفرطة وعدم احترام السائقين لقوانين السير.
وللوقوف عند بعض الجوانب المرتبطة بهذه الظاهرة التي باتت تؤرق المجتمع المغربي وتخلف فواجع ومأساة حقيقية؛ أجرت جريدة ”24 ساعة” الحوار التالي مع بناصر بولعجول، مدير الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا):
س: شهدت حصيلة حوادث السير بالمغرب ارتفاعا غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة؛ هل من أرقام وإحصائيات تهم صيف 2022 وكيف تعاملتم معها؟
إن الإحصائيات المؤقتة لحوادث السير المسجلة ببلادنا خلال الخمسة أشهر الأولى من السنة الجارية ترسخ المنحى التنازلي لعدد الوفيات إذا ما قورنت بإحصائيات سنة 2019 التي تعتبر ذات نفس الخصائص، حيث انخفض عدد القتلى بنسبة 8.70%. ومقارنة مع نفس الفترة من سنة 2015 التي تعتبر سنة مرجعية للاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية 2017- 2026 فقد تم تسجيل انخفاض في عدد القتلى بنسبة 6,30%. وبالتالي فإن النتائج المحصل عليها ترسخ المنحى التنازلي لعدد الوفيات المسجل خلال السنوات الخمسة الأولى من تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية.
– احتل المغرب الرتبة 29 عالميا والخامسة عربيا من حيث عدد الحوادث المرورية، وفق تقرير لمنظمة الصحة العالمية، إلى ما يعزى ذلك؟ هل هناك استراتيجية واضحة تشتغل عليها ”نارسا” لوقف حرب الطرق في المملكة؟
أولا، هناك عدة مؤشرات يمكن اعتمادها لقياس مستوى السلامة الطرقية في بلد ما، والمؤشر الذي غالبا ما يتم اعتماده هو مؤشر الخطورة الذي يحتسب بناء على عدد الوفيات والمصابين بجروح خطيرة في كل مائة حادثة مرور أو لكل 100.000 نسمة. حيث تبين الإحصائيات انخفاض هذا المؤشر خلال السنوات الخمس الأخيرة، هذا المؤشر ما فتئ يعرف انخفاضا مضطردا منذ سنة 2011 حيث انتقل من 24.9 إلى 12.6 سنة 2021.
ثانيا، بالنسبة للإجراءات التي اتخذتها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية في إطار تكثيف الجهود لمحاربة آفة حوادث السير، يجب التأكيد على أنه تم تعزيز آلية المراقبة الطرقية وزجر المخالفين من خلال اعتماد المخطط الوطني للمراقبة الطرقية 2022-2024 الذي تم الإعلان عنه يوم 17 يناير 2022، والذي حدد مواضيع المراقبة ذات الأولوية كما يلي:
– الإفراط في السرعة والسرعة المفرطة؛
– استعمال الهاتف أثناء السياقة؛
– عدم استعمال حزام السلامة؛
– عدم استعمال الخوذة الواقية؛
– السياقة تحت التأثير.
ولتعزيز دور المراقبة، فقد تضمن المخطط برنامجا استثماريا سنويا بحوالي 75 مليون درهم لتوفير المعدات والوسائل التقنية للمراقبة لفائدة مختلف مصالح المراقبة من أجل تحسين مستوى نجاعة ومردودية العمليات المنجزة.
وفي نفس السياق، هناك حاليا 150 جهاز رادار ثابت قيد الاشتغال و169 جهاز قيد الربط بالشبكة الكهربائية والباقي قيد التثبيت تنضاف إلى حظيرة الرادارات من الجيل الأول التي تتكون من 140 رادارا. وتتميز هذه الرادارات الجديدة بمجموعة من الخصائص التقنية والوظيفية حيث تمكن من رصد مخالفات تجاوز السرعة القانونية واحترام الضوء الأحمر وقطع الخط المتصل بالإضافة إلى رصد مخالفة السير على الممرات الممنوعة. كما تتيح هذه الرادارات الجديدة إمكانية رصد أكثر من مركبة في آن واحد (قد يصل عددها إلى 24)، علاوة على قدرتها على مراقبة السرعة المتوسطة للمركبات والتمييز بين مركبات الوزن الخفيف والثقيل والقراءة الآنية للوحات ترقيم المركبات. وقد مكنت هذه الأجهزة الجديدة إلى حدود متم شهر يونيو 2022 من رصد 912.775 مخالفة تتوزع كالتالي:
– 774.842 مخالفة مرتبطة بالسرعة وهوما يمثل نسبة 85 % من مجموع المخالفات؛
– 130.452مخالفة مرتبطة بعدم احترام الضوء الأحمر من بينها 103.185 مخالفة تخص الدارجات النارية ثنائية وثلاثية العجلات.
– لماذا لم تساهم حملات الوكالة التحسيسية في التقليل من هذه الحوادث؟
يجب التوضيح أولا أن معالجة إشكالية حوادث السير تندرج في إطار مقاربة شمولية مندمجة ومتكاملة.
وتشكل العمليات التواصلية لنارسا إحدى الركائز الأساسية والمحورية للاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية بالنظر إلى مساهمتها الوازنة ودورها الفعال في التحسيس بأهمية استئصال مختلف الآفات التي يعيشها الأفراد والمجتمعات بما فيها إشكالية حوادث السير حيث أن الحملات التوعوية التي تنظمها الوكالة تظل مدخلا جوهريا في تأطير سلوك مستعملي الطريق، والذي يساهم بنسبة قد تصل إلى 90% في وقوع حوادث السير. غير أن وقع هذه الحملات التواصلية التي أثبتت نجاعتها على المديين المتوسط والبعيد وفق الدراسات العلمية المنجزة في هذا المجال، تكون أكبر إذا ما تم إقرانها بعمليات المراقبة والجزر وهو ما تسهر الوكالة بمعية شركائها على تفعيله وتنزيله على أرض الواقع.
– ما العراقيل التي تجدها الوكالة في تنفيذ برامجها ومشاريعها؟ وهل ما زالت تحتاج إلى تشريعات وقوانين لوقف نزيف القتلى؟
تعمل الوكالة على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية للفترة 2017-2026 باعتماد مقاربة تشاركية تستحضر دور كافة المتدخلين السياسيين والمؤسساتيين والمهنيين ومكونات المجتمع المدني في تدبير ملف انعدام السلامة الطرقية ببلادنا. فتحسين مؤشرات السلامة الطرقية يقتضي تظافر جهود مختلف الشركاء ويرتكز على مجموعة من الدعائم الاستراتيجية كالتدبير على أعلى مستوى والتشريع والمراقبة والتكوين والتحسيس والتربية وتأهيل البنية التحتية للطرق والحالة الميكانيكية للمركبات وإسعاف الضحايا وغيرها.
وبخصوص الشق التشريعي لسؤالكم، نشير إلى أن القانون رقم 52-05 كما تم تعديله وتتميمه بموجب القانون رقم 116-14 لم يعرف أي تغيير منذ سنة 2016. كما أن الحاجة إلى التشريعات والقوانين في هذا المجال تتم بناء على الإكراهات والنواقص التي تتم معاينتها مبدئيا من طرف مختلف الهيئات المعنية بإنفاذ القانون. وتجدر الإشارة في هذا الإطار أن الوكالة تتوفر على مخطط تشريعي تم إعداده من طرف كل الشركاء والمتدخلين وتعمل الوكالة حاليا على إعداد التحيينات والنصوص التشريعية من أجل وضعها في مسطرة المصادقة.
– أين وصل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية؟
بالنسبة للاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية 2017-2026، فإن وزارة النقل واللوجستيك ماضية في تنزيل هذه الاستراتيجية بتعاون مع باقي الشركاء المؤسساتيين والمهنيين ومكونات المجتمع المدني لبلوغ الأهداف المسطرة لها، كما تنكب الوزارة في الوقت الراهن على تقييم المخطط الخماسي الأول 2017- 2021، من خلال إنجاز دراسة تنفذها الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية تتوخى تقييم المرحلة الأولى من الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية وإعداد خطة عمل للمرحلة المقبلة على ضوء توجهات عقد العمل العالمي من أجل السلامة على الطرق 2021-2030، والذي يهدف إلى تقليل الوفيات والإصابات على الطرق بنسبة 50 % على الأقل بحلول عام 2030. وسيتم عرض هذا المخطط الجديد على أنظار اللجنة الوزارية المشتركة بين الوزارات تحث رئاسة السيد رئيس الحكومة فور الانتهاء من إعداده.