أثارت الهجمات الإرهابية الأخيرة التي كانت مدينة برشلونة الإسبانية مسرحا لها، الكثير من الجدل حول هوية منفذي الهجوم وتكرار مشاركة مغاربة في الاعتداءات الإرهابية بأوروبا، وكذا حول مدى التنسيق الأمني الاستخباراتي بين المملكة المغربية وإسبانيا. كما أثير النقاش حول مدى تأثير تداعيات الأحداث الإرهابية على الحياة اليومية لمغاربة أوروبا داخل المجتمع الأوروبي، في هذا السياق ومن أجل تحليل متخصص للموضوع، نحاور، الأستاذ نبيل دريوش، الإعلامي المختص في الشأن الإسباني والعلاقات المغربية الإسبانية.
ما قراءاتك لتورط عدد من المغاربة في هجمات برشلونة؟
المغاربة هم أكبر جالية مسلمة في اسبانيا، وفي إقليم كاتلونيا على الخصوص، حيث يصل عدد المغاربة المستقرين هناك إلى حوالي ربع مليون مغربي، والواقع أن الحكومات الاقليمية المتعاقبة لكاتلونيا نهجت سياسة تشجيعة للمهاجرين المغاربة أكثر من باقي المناطق الإسبانية وكانت أكثر انفتاحا على المغاربة.
وهجرة المغاربة هي، في غالبيتها، هجرات هشّة من الناحية التعليمية والدينية، وبالتالي يسهل استقطاب جزء منها نحو التطرف، خصوصا لدى الأجيال الجديدة التي يحضر عندها الدين كهوية، والتي تعاني من صعوبات في الاندماج في المجتمع الإسباني ككل. نضيف إلى ذلك أن منطقة كاتلونيا تحولت في السنوات الأخيرة إلى مركز للتطرف باسم الإسلام، وهو التطرف الذي استفاد من غياب أي تنظيم للحقل الديني الإسلامي في اسبانيا، فكل جمعية تتمكن من التسجيل في مديرية الشؤون الدينية في وزارة العدل الإسبانية تقوم بفتح محل للصلاة، يصبح “مسجدا”.. ففي اسبانيا يوجد أزيد من 1500 مسجد تم تشييد غالبيتها بهذه الطريقة، وليست هناك أية مراقبة للأئمة الذين يعينون للصلاة وإعطاء الدروس الدينية والمواعظ. وتتكفل هذه الجمعيات أو مجموعة من المهاجرين بدفع رواتب هؤلاء “الأئمة”، التي لا تتعدى في أحسن الأحوال 700 أورو، وهو مبلغ زهيد في إسبانيا ولا يكفي حتى لسد الرمق.. هذه الفوضى كبيرة ينفذ منها المتطرفون، الأكيد أن الاستخبارات الإسبانية تسللت إلى هذه المساجد لمراقبتها وانجاز تقارير ولو عن بعد بعد اعتداءات قطارات الضواحي بمدريد عام 2004، لكن هذه الفوضى ينتج عنها الكثير من الثغرات وهو ما شهدناه في حالة الإمام عبد الباقي السطي، الذي جند خلية من 12 شابا في بلدة ريبول لينفذوا الهجمات الأخيرة في كاتلونيا.
حدّثنا عن تصريح الناطق الرسمي للحكومة مصطفى الخلفي حول تعزيز القدرات الاستباقية بين المغرب وإسبانيا بعد الهجوم الأخير؟
كشفت التصريحات الأخيرة لمصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، عن رفع مستوى التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا، بتعليمات ملكية، عقب الاعتداءات التي شهدتها كاتلونيا، وجاءت لتأكيد تواصل التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا بعدما كثر الكلام عن أزمة صامتة بين المغرب وإسبانيا في الأسابيع الأخيرة، وهي الأزمة التي وضعت لها الاعتداءات الأخيرة حدا بسبب وجود خطر مشترك يهدد البلدين، وهو تنظيم “داعش” الإرهابي.
ما تحليلك للتنسيق الأمني الاستخباراتي المغربي -الإسباني بعد ما حدث، خاصة بعد كشف تقارير إعلامية إسبانية عن زيارة وزير الداخلية الإسباني للمغرب ولقائه بمسؤولين أمنيين مغاربة، خلال الأسبوع المقبل؟
دعني هنا أؤكد أن التعاون الأمني والاستخباراتي والقضائي بين البلدين يعد نموذجيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وهو التعاون الذي عرف قفزات نوعية منذ هجمات قطارات الضواحي في محطة أتوتشا للقطارات في مدريد يوم 11 مارس 2004، ووصل التعاون إلى حد القيام بعمليات أمنية مشتركة منذ 2012 لتفكيك خلايا تنظيم “داعش” الإرهابي بتعاون مشترك بين المغرب وإسبانيا وصلت الى 12 خلية، وكان يمكن لهذه الخلايا أن تقوم بعمليات داخل التراب الإسباني. كما أن التعاون الأمني أخذ طابع التفكير العلمي في الظاهرة الإرهابية من خلال لقاءات بين مسؤولي البلدين في قرطبة ومراكش، وهي أسبقية في التعاون الأمني بين دول شمال وجنوب المتوسط.
إلى أي مدى ستكون هناك تداعيات بخصوص ما حدث على الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا؟
الجالية المغربية في إسبانيا تعيش لحظات صعبة بسبب ما تمارسه عليها بعض وسائل الإعلام من خلال التأكيد، في كل مرة، أن منفذي الاعتداءات مغاربة.. وبالنظر إلى أن صورة المغربي في حد ذاتها ليست جيدة في اسبانيا، بل إن بعض قطاعات المجتمع الإسباني تعاني من “الموروفوبيا”، أي “العداء للمغاربة”، أكثر مما تعاني من “اللإسلاموفوبيا”، فإن معاناة الجالية هي مزدوجة أولا تهجم لفظي أو بالضرب قد يحدث أحيانا لأي شخص في أي مكان داخل مقهى أو في مكان العمل أو داخل المترو، ومعاناة أخرى مرتبطة بالخوف على الأبناء من السقوط في شراك المتطرفين، في ظل غياب تأطير ديني للجالية وتطوير التنظيمات الإرهابية، وخصوصا “داعش”، أساليب الاستقطاب.