تشكل هزيمة حزب العدالة والتنمية في أنقرة ضربة موجعة لأردوغان، لكن خسارته لاسطنبول تشكل صدمة أكبر، حيث نشأ وترعرع وبدأت مسيرته السياسية فيها. فلماذا خسر الإسلاميون بزعامة اردوغان الانتخابات البلدية في المدن الكبرى؟
تشكل هزيمة حزب أردوغان ذي الجذور الإسلامية في أنقرة ضربة كبيرة للرئيس. ومن شأن الخسارة في اسطنبول، التي تبلغ مساحتها ثلاثة أمثال العاصمة واستهل فيها أردوغان مسيرته السياسية وكان رئيسا لبلديتها في التسعينيات، أن تكون صدمة أكبر.
فقد مُني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بانتكاسات مذهلة في الانتخابات المحلية بخسارة حزبه الإسلامي الحاكم (العدالة والتنمية) السيطرة على العاصمة أنقرة للمرة الأولى منذ تأسيس الحزب عام 2001 واتجاهه لخسارة الانتخابات في اسطنبول أكبر مدن البلاد. وكان اردوغان، الذي هيمن على المشهد السياسي التركي منذ وصوله إلى السلطة قبل 16 عاما وحكم البلاد بقبضة حديدية، قد نظم حملات انتخابية دون كلل على مدى شهرين قبل تصويت أمس الأحد الذي وصفه بأنه “مسألة مصيرية” بالنسبة لتركيا.
لكن لقاءاته الجماهيرية اليومية والتغطية الإعلامية الداعمة له في معظمها لم تكسبه تأييد العاصمة أو تضمن له نتيجة حاسمة في اسطنبول، في وقت تتجه فيه البلاد نحو تراجع اقتصادي أثر بشدة على الناخبين.
سبب الخسارة اقتصادي فقط؟
تجدر الإشارة إلى أن تركيا وفي عهد اردوغان، عندما كان رئيسا للوزراء في عام 2002، قد شهدت نهوضا اقتصاديا كبيرا تمكن خلالها الكثير من فقراء المدن الكبيرة من الصعود اقتصاديا إلى الطبقة الوسطى في المجتمع. وبرزت مظاهر الرفاهية في كل المدن التركية، خصوصا في أكبرها مثل اسطنبول وانقرة وأزمير وغيرها. وهو أمر ضمن الفوز لاردوغان وحزبه في كل الانتخابات الأخيرة. لكن البلاد تشهد ومنذ عدة سنوات، خصوصا بعد الانقلاب العسكري الفاشل والانتقال إلى النظام الرئاسي إلى جانب تراجع الديمقراطية ودولة القانون، إثر الإجراءات التعسفية بحق المعارضين لاردوغان وحزبه الإسلامي، تشهد البلاد ركودا اقتصاديا يصاحبه تراجع حاد في سعر الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، مثل الدولار واليورو، لم تشهده تركيا من قبل.
هاجس الخوف من السقوط مجددا في أتون الفقر والعوز وفقدان فرص العمل يثير قلق الناخب التركي بشكل كبير. كما أن الثقة بقدرة اردوغان وحزبه بتجاوز الحالة الاقتصادية الحالية والدفع بالاقتصاد نحو نمو مستديم، بدأ بالاضمحلال تدريجيا، إثر الصراع السياسي بين اردوغان والأوروبيين وبينه وبين الولايات المتحدة تارة أخرى.
في هذا السياق، أظهر مسح اليوم الاثنين أن نشاط المصانع التركية انكمش في أذار/مارس ولعام متصل بفعل تباطؤ في طلبيات التوريد المحلية وطلبيات التصدير. وقالت لجنة من غرفة صناعة اسطنبول وآي.اتش.اس ماركت إن مؤشر مديري المشتريات بالقطاع ارتفع إلى 47.2 بالمئة في الشهر الماضي من 47.4 بالمئة في شباط/ فبراير، ليظل دون مستوى الخمسين الفاصل بين النمو والانكماش.
وقالت اللجنة إن الطلبيات الجديدة في قطاع إنتاج السلع بتركيا تراجعت نتيجة للتحديات على صعيد الطلب، بينما اقترب الإنتاج من نقطة الاستقرار، مضيفة أن الطلب الأجنبي تراجع وسط تقارير عن طلب أوروبي ضعيف.
ولهذا السبب اعتبر اردوغان نتائج الانتخابات المحلية هذه بمثابة ناقوس الخطر وربما تشكل ايضا بداية نهاية حقبة اردوغان وحزبه الإسلامي، إذا فشل اردوغان وحزبه في تنشيط النمو الاقتصادي مجددا، لذلك تعهد أردوغان بأن تركز تركيا من الآن على الاقتصاد المتعثر قبل الانتخابات العامة التي ستجرى في عام 2023.
أزمة الحريات العامة
إلى جانب تعثر الاقتصاد التركي وتراجع قيمة الليرة التركية بشكل حاد، تتحدث المعارضة التركية عن تراجع الديمقراطية معتبرة الانتخابات الأخيرة بمثابة معركة كبيرة من أجل استرجاع الحريات العامة للمواطنين التي سلبها اردوغان ونظامه السياسي الإسلامي.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض منصور يافاش حقق فوزا واضحا في أنقرة. وفي اسطنبول يتقدم حزب الشعب الجمهوري بفارق 28 ألف صوت تقريبا وفقا لأحدث نتائج الفرز. وقال زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو “صوت الشعب لصالح الديمقراطية، لقد اختاروا الديمقراطية”. وأعلن أن حزب الشعب الجمهوري العلماني انتزع السيطرة على أنقرة واسطنبول من حزب العدالة والتنمية وفاز في مدينة إزمير المطلة على بحر إيجة، وهي معقل للحزب المعارض وثالث أكبر المدن التركية.
من جانبها، انتقدت مجموعة أوروبية تراقب الانتخابات المحلية في تركيا اليوم الاثنين قيودا على حرية تعبير المواطنين والصحفيين بعد يوم من الانتخابات المحلية. وتحدث أندرو دوسون رئيس بعثة المراقبة التي يقوم بها كونجرس السلطات المحلية والإقليمية التابع لمجلس أوروبا عن حاجة الناس للتعبير عن آرائهم دون خوف من رد انتقامي من جانب الحكومة.
وقال “نحن غير مقتنعين تماما بأن تركيا تتمتع حاليا بأجواء انتخابية حرة ونزيهة وهو أمر لازم لانتخابات ديمقراطية حقة تتماشى مع المعايير والمبادئ الأوروبية”. وأضاف في تصريحات للصحفيين في أنقرة “لكننا نعتبر نجاح العديد من الأحزاب إشارة إيجابية للمرونة الديمقراطية في تركيا”.
ويتساءل المراقبون كيف يمكن لاردوغان أن ينهض باقتصاد تركيا مجددا، كما فعل ذلك في عام 2002 بعد خوض اردوغان لمعارك سياسية مع الحلفاء الغربيين ومع الحلفاء العرب مثل السعودية والإمارات؟ وهل يتمكن اردوغان من تحريك المال القطري لاستثمار بشكل أوسع في تركيا لتعوض خسارة الاستثمار الأوروبي والأمريكي والسعودي؟
فقد مُني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بانتكاسات مذهلة في الانتخابات المحلية بخسارة حزبه الإسلامي الحاكم (العدالة والتنمية) السيطرة على العاصمة أنقرة للمرة الأولى منذ تأسيس الحزب عام 2001 واتجاهه لخسارة الانتخابات في اسطنبول أكبر مدن البلاد. وكان اردوغان، الذي هيمن على المشهد السياسي التركي منذ وصوله إلى السلطة قبل 16 عاما وحكم البلاد بقبضة حديدية، قد نظم حملات انتخابية دون كلل على مدى شهرين قبل تصويت أمس الأحد الذي وصفه بأنه “مسألة مصيرية” بالنسبة لتركيا.
لكن لقاءاته الجماهيرية اليومية والتغطية الإعلامية الداعمة له في معظمها لم تكسبه تأييد العاصمة أو تضمن له نتيجة حاسمة في اسطنبول، في وقت تتجه فيه البلاد نحو تراجع اقتصادي أثر بشدة على الناخبين.
سبب الخسارة اقتصادي فقط؟
تجدر الإشارة إلى أن تركيا وفي عهد اردوغان، عندما كان رئيسا للوزراء في عام 2002، قد شهدت نهوضا اقتصاديا كبيرا تمكن خلالها الكثير من فقراء المدن الكبيرة من الصعود اقتصاديا إلى الطبقة الوسطى في المجتمع. وبرزت مظاهر الرفاهية في كل المدن التركية، خصوصا في أكبرها مثل اسطنبول وانقرة وأزمير وغيرها. وهو أمر ضمن الفوز لاردوغان وحزبه في كل الانتخابات الأخيرة. لكن البلاد تشهد ومنذ عدة سنوات، خصوصا بعد الانقلاب العسكري الفاشل والانتقال إلى النظام الرئاسي إلى جانب تراجع الديمقراطية ودولة القانون، إثر الإجراءات التعسفية بحق المعارضين لاردوغان وحزبه الإسلامي، تشهد البلاد ركودا اقتصاديا يصاحبه تراجع حاد في سعر الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، مثل الدولار واليورو، لم تشهده تركيا من قبل.
هاجس الخوف من السقوط مجددا في أتون الفقر والعوز وفقدان فرص العمل يثير قلق الناخب التركي بشكل كبير. كما أن الثقة بقدرة اردوغان وحزبه بتجاوز الحالة الاقتصادية الحالية والدفع بالاقتصاد نحو نمو مستديم، بدأ بالاضمحلال تدريجيا، إثر الصراع السياسي بين اردوغان والأوروبيين وبينه وبين الولايات المتحدة تارة أخرى.
في هذا السياق، أظهر مسح اليوم الاثنين أن نشاط المصانع التركية انكمش في أذار/مارس ولعام متصل بفعل تباطؤ في طلبيات التوريد المحلية وطلبيات التصدير. وقالت لجنة من غرفة صناعة اسطنبول وآي.اتش.اس ماركت إن مؤشر مديري المشتريات بالقطاع ارتفع إلى 47.2 بالمئة في الشهر الماضي من 47.4 بالمئة في شباط/ فبراير، ليظل دون مستوى الخمسين الفاصل بين النمو والانكماش.
وقالت اللجنة إن الطلبيات الجديدة في قطاع إنتاج السلع بتركيا تراجعت نتيجة للتحديات على صعيد الطلب، بينما اقترب الإنتاج من نقطة الاستقرار، مضيفة أن الطلب الأجنبي تراجع وسط تقارير عن طلب أوروبي ضعيف.
ولهذا السبب اعتبر اردوغان نتائج الانتخابات المحلية هذه بمثابة ناقوس الخطر وربما تشكل ايضا بداية نهاية حقبة اردوغان وحزبه الإسلامي، إذا فشل اردوغان وحزبه في تنشيط النمو الاقتصادي مجددا، لذلك تعهد أردوغان بأن تركز تركيا من الآن على الاقتصاد المتعثر قبل الانتخابات العامة التي ستجرى في عام 2023.
أزمة الحريات العامة
إلى جانب تعثر الاقتصاد التركي وتراجع قيمة الليرة التركية بشكل حاد، تتحدث المعارضة التركية عن تراجع الديمقراطية معتبرة الانتخابات الأخيرة بمثابة معركة كبيرة من أجل استرجاع الحريات العامة للمواطنين التي سلبها اردوغان ونظامه السياسي الإسلامي.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض منصور يافاش حقق فوزا واضحا في أنقرة. وفي اسطنبول يتقدم حزب الشعب الجمهوري بفارق 28 ألف صوت تقريبا وفقا لأحدث نتائج الفرز. وقال زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو “صوت الشعب لصالح الديمقراطية، لقد اختاروا الديمقراطية”. وأعلن أن حزب الشعب الجمهوري العلماني انتزع السيطرة على أنقرة واسطنبول من حزب العدالة والتنمية وفاز في مدينة إزمير المطلة على بحر إيجة، وهي معقل للحزب المعارض وثالث أكبر المدن التركية.
من جانبها، انتقدت مجموعة أوروبية تراقب الانتخابات المحلية في تركيا اليوم الاثنين قيودا على حرية تعبير المواطنين والصحفيين بعد يوم من الانتخابات المحلية. وتحدث أندرو دوسون رئيس بعثة المراقبة التي يقوم بها كونجرس السلطات المحلية والإقليمية التابع لمجلس أوروبا عن حاجة الناس للتعبير عن آرائهم دون خوف من رد انتقامي من جانب الحكومة.
وقال “نحن غير مقتنعين تماما بأن تركيا تتمتع حاليا بأجواء انتخابية حرة ونزيهة وهو أمر لازم لانتخابات ديمقراطية حقة تتماشى مع المعايير والمبادئ الأوروبية”. وأضاف في تصريحات للصحفيين في أنقرة “لكننا نعتبر نجاح العديد من الأحزاب إشارة إيجابية للمرونة الديمقراطية في تركيا”.
ويتساءل المراقبون كيف يمكن لاردوغان أن ينهض باقتصاد تركيا مجددا، كما فعل ذلك في عام 2002 بعد خوض اردوغان لمعارك سياسية مع الحلفاء الغربيين ومع الحلفاء العرب مثل السعودية والإمارات؟ وهل يتمكن اردوغان من تحريك المال القطري لاستثمار بشكل أوسع في تركيا لتعوض خسارة الاستثمار الأوروبي والأمريكي والسعودي؟