لم تتوقف الاحتجاجات في الجزائر رغم محاولات الطبقة الحاكمة احتواءها. فبعد يوم من تعيينه لحكومة جديدة لتصريف الأعمال، تعهد الرئيس بوتفليقة بالاستقالة قبل انتهاء ولايته نهاية الشهر الجاري. فكيف ينظر النشطاء لهذه التطورات؟
استقالة بوتفليقة
الرئاسة الجزائرية أكدت أن بوتفليقة سيستقيل قبل انتهاء ولايته في الـ 28 من شهر نيسان/ أبريل الحالي. بيد أنها لم تحدد تاريخ الاستقالة مكتفية بأنه سيشرف على المرحلة الانتقالية. بيد أنه وبمجرد أن تدخل الاستقالة حيز التنفيذ سيتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة مؤقتا لمدة أقصاها 90 يوماً، تنظم خلالها انتخابات رئاسية لا يحق له الترشح فيها، طبقا للمادة 102 من الدستور الجزائري.
وقبيل الإعلان الرسمي للاستقالة، قال الحقوقي الجزائري البارز مصطفى بوشاشي لـ DW عربية إن استقالة بوتفليقة “لن تغير شيئاً”. وأضاف أنّ “بوتفليقة انتهى منذ فترة وليس هو الحاكم الفعلي، بل المحيطون به هم الذين يديرون الأمور، ولذلك فإن استقالته لن تؤثر بشيء لأنه ترك حكومة قام بتعيينها تراعي مصالح المحيط الذي كان يدير البلد“.
ويشغل عبدالقادر بن صالح، المقرب من بوتفليقة، منصب رئيس مجلس الأمة، وبذلك يعد حالياً الرجل الثاني في البلاد. ومع ترجيح صحيفة النهار الجزائرية أن يتم تعيين رئيس جديد لمجلس الأمة، يرى البعض أن ذلك قد يكون لتهيئة بن صالح لمنصب رئيس الجمهورية بعد الفترة الانتقالية، وهذا ما يرفضه بوشاشي، الرئيس الأسبق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.
ويقول بوشاشي: “الجزائريون والأحزاب والمجتمع المدني متفقون على ضرورة وجود مرحلة انتقالية لا يشارك فيها رئيس الحكومة الحالي ولا حتى الرئيس الحالي لمجلس الأمة. نريد فقط أن يرحلوا”، ويضيف: “يجب تطبيق المادة السابعة والثامنة من الدستور واللتين تعتبران الشعب مصدر السيادة“.
رفض حكومة تصريف الأعمال
وتضم حكومة تصريف الأعمال برئاسة نورالدين بدوي 27 وزيراً، ستة منهم من الفريق الوزاري السابق. وبقي رئيس هيئة الأركان أحمد قايد صالح نائباً لوزير الدفاع، فيما احتفظ بوتفليقة بمنصب وزير الدفاع. وبعد الإعلان عن الحكومة تظاهر المئات في ساحة البريد المركزي، بالعاصمة الجزائر. وقال المحتجون إن الإعلان عن التشكيلة الحكومية الجديدة والإبقاء على بدوي على رأسها، بمثابة ضرب لمطالب الشعب في عرض الحائط، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية.
ويرى مصطفى بوشاشي، أحد أبرز وجوه الحراك الشعبي في الجزائر، أن التغيير الحكومي الأخير “مجرد تمديد للأزمة في البلاد”، ويضيف في حديثه لـDW عربية: “عندما خرج الجزائريون إلى الشارع قالوا إنهم لا يريدون أن ترافقهم رموز النظام الفاسد في المرحلة الانتقالية“.
وقد تزامن التغيير الحكومي في الجزائر مع إعلان سلطات الطيران الجزائرية منع كل الطائرات الخاصة من الإقلاع أو الهبوط في مطارات البلاد حتى نهاية الشهر الجاري، في خطوة تهدف إلى منع بعض الشخصيات البارزة من مغادرة البلاد. وقد أعلنت النيابة العامة بالجزائر العاصمة أنها فتحت تحقيقات “في قضايا فساد” وبأن وكيل الجمهورية أصدر أوامر بمنع “مجموعة من الأشخاص” من مغادرة الجزائر دون أن يتم ذكر أسماء الأشخاص المعنيين بهذا الإجراء.
انتقادات لرئيس الحكومة الجديد
ويقول بوشاشي: “رئيس الحكومة الحالي كان وزيراً للداخلية ودأب على تزوير الانتخابات في الفترات السابقة ولذلك فإن الجزائريين لا يثقون في حكومة يعينها النظام لإجراء انتخابات مقبلة”، مشيراً إلى أن إبقاء رموز النظام السابقين “ليس قراراً حكيماً ولن يؤدي إلى طمأنة الشارع الجزائري بأن النظام استجاب لمطالبهم السلمية“.
وتعرب إيزابيلا فيرنفيلز، الخبيرة بالشؤون الجزائرية في معهد الاقتصاد والسياسة في برلين عن استغرابها لطريقة تشكيلة حكومة تصريف الأعمال. وتقول في حديث لـDW أنْ “يكون نائب وزير الدفاع وقائد الجيش هو نفس الشخص الذي يطالب بأن يتم إعلان الرئيس، الذي قام بتعيينه، كشخص غير قادر على الحكم، فهذه حالة غير طبيعية”، وتضيف: “هذا يقول الكثير فيما يتعلق بالوضع في الجزائر“.
لكن لويزة دريس آيت حمادوش، أستاذة العلوم السياسية في جامعة الجزائر، تحذر من أن الجزائر تواجه خطر إعادة “القانونية والشرعية” للنظام القائم حالياً، حسبما نقلت عنها صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية. ويوافقها في الرأي الكاتب الجزائري كمال داود، الذي يرى بأن الجيش يناور ليحافظ المسؤولون الحاليون على سلطتهم، مضيفاً في حديث لمجلة نوفيل أوبزيرفاتور الفرنسية: “مشكلة الجزائر أنه ليس لدينا بوتفليقة واحد، بل 25“.
أما عن إمكانية تكرار السيناريو المصري في الجزائر بأن يصبح رئيس الأركان الحالي أحمد قايد صالح رئيساً للجزائر، على غرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، يشدّد بوشاشي على أن الجزائريين “لن يقبلوا من أي طرف، حتى ولو كان الجيش، استغفالهم ومحاولة الالتفاف على مطالبهم“.
لكن وفي حين يتم تداول الأنباء عن خلافات بين الجيش والرئاسة الجزائرية، فقد أثار إبقاء قايد صالح في منصبه كنائب لوزير الدفاع، استغراب المحتجين الذين خرجوا اليوم في الجزائر أيضاً، وهو ما قد يبقي سيناريوهات حل الأزمة الجزائرية مفتوحة.