24 ساعة-عبد الرحيم زياد
في تطور لافت للعلاقات العسكرية الفرنسية في غرب إفريقيا، بدأت فرنسا مؤخرًا عملية إخلاء قواعدها العسكرية من السنغال بعد قرار الحكومة السنغالية الجديدة بإنهاء الوجود العسكري الفرنسي الذي استمر منذ عقود. أعلنت سفارة فرنسا في دكار في مارس 2025 عن تسليم ثكنتين عسكريتين للسلطات السنغالية، في خطوة تنهي وجودًا عسكريًا بدأ رسميًا منذ استقلال السنغال عام 1960. هذا القرار جاء عقب دعوات رئيس الوزراء عثمان سونكو لإعادة تقييم العلاقات مع فرنسا، مؤكدًا سعي بلاده لتعزيز سيادتها الوطنية، مما يجعل هذا الانسحاب تحولًا بارزًا في سياسة باريس بالقارة حيث كانت دكار تضم نحو 350 جنديًا فرنسيًا كنقطة ارتكاز للنفوذ الفرنسي.
موريتانيا كوجهة محتملة
مع هذا الانسحاب، تتجه الأنظار نحو موريتانيا كوجهة محتملة لنقل بعض هذه القواعد العسكرية. موقع موريتانيا الاستراتيجي، الذي يربط المغرب العربي بغرب إفريقيا، يجعلها مرشحة منطقية لإعادة تموضع القوات الفرنسية. العلاقات الوثيقة بين نواكشوط وباريس، التي تعززت مؤخرًا باتفاقيات أمنية واقتصادية، تدعم هذا التوجه. فعلى سبيل المثال، تعهد الاتحاد الأوروبي في فبراير 2025 بتقديم 200 مليون يورو لدعم موريتانيا في قضايا الهجرة والأمن، مما يعكس اهتمامًا غربيًا متزايدًا بهذا البلد كشريك استراتيجي.
إعادة تموضع مؤقتة أم بديل دائم
لكن السؤال المطروح هو: هل ستتحول موريتانيا. إلى بديل دائم للسنغال في الاستراتيجية العسكرية الفرنسية؟ يرى المراقبون أن الأمر قد يقتصر على إعادة تموضع مؤقتة. فموريتانيا. التي تشارك بالفعل في عملية “برخان” لمكافحة الإرهاب في الساحل. قد لا تمتلك البنية التحتية الكافية لاستضافة قواعد دائمة كتلك التي كانت في دكار. كما أن التحديات الداخلية مثل الإجهاد المائي والهجرة غير النظامية قد تجعل نواكشوط. مترددة في قبول حضور عسكري فرنسي كبير قد يثير حساسيات محلية، مشابهة لما حدث في السنغال.
الأهداف الاستراتيجية لفرنسا
من الناحية الاستراتيجية، تسعى فرنسا إلى الحفاظ على نفوذها في غرب إفريقيا. رغم تراجع وجودها العسكري في دول مثل مالي وبوركينا فاسو وتشاد. نقل القوات إلى موريتانيا قد يمكن باريس من مواصلة مراقبة منطقة الساحل والتصدي لتهديدات الجماعات المتطرفة. لكن هذا الخيار قد يواجه مقاومة شعبية أو سياسية. إذا ما اعتبر الموريتانيون أن هذا الوجود يتعارض مع سيادتهم الوطنية. مما يعيد إلى الأذهان السيناريو السنغالي ويضع فرنسا أمام تحدٍ جديد في التوازن بين مصالحها ومشاعر الشعوب.
مستقبل النفوذ الفرنسي في إفريقيا
في الختام، يظل نقل القواعد الفرنسية من السنغال إلى موريتانيا موضوعًا مفتوحًا للتكهنات. رغم منطقيته من الناحية الجغرافية والسياسية. فإن نجاحه يعتمد على قدرة فرنسا على إقناع موريتاني بفوائد هذا الوجود دون إثارة توترات داخلية. قد يكون هذا التحول مؤشرًا على إعادة ترتيب الأولويات الفرنسية في إفريقيا. لكنه يثير تساؤلات حول استدامة نفوذها في ظل تصاعد المطالب بالسيادة عبر القارة.