DW عربية ـ سهام أشطو
نوال بنعيسى، شابة ريفية برزت مؤخرا كناشطة في حراك الريف خاصة بعد اعتقال زعيمه ناصر الزفزافي. في هذا الحوار تحكي نوال عن علاقتها بالزفزافي وردها على من يتهمون نشطاء الحراك بالانفصال وموقفها من الملك.
وجه نسائي برز مؤخرا في ما بات يعرف ب “حراك الريف”. نوال بنعيسى ربة بيت تبلغ من العمر 36 سنة وأم لأربعة أطفال. راج الحديث عن أنها ستخلف قائد الحراك المعتقل ناصر الزفزافي وبدا لها أنصار كثر على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها تنفي ذلك في هذا الحوار وتعتبر أن خليفة الزفزافي هم كل الريفيين والريفيات.
ظهورها البارز إلى جانب وجوه نسائية أخرى وهي تتقدم الاحتجاجات وتحشد المتظاهرين على وسائل التواصل الاجتماعي اعتبره خبراء تحولا جديدا في المشهد الاحتجاجي المغربي خاصة بالنظر إلى أن منطقة الريف من أكثر المناطق المحافظة في المغرب. نوال تحدثت لنا وهي في نفسية سيئة بسبب مواصلة السلطات اعتقال نشطاء الحراك وهو ما يجعلها لا ترى انفراجا قريبا للازمة كما بدأ يروج في وسائل الإعلام المغربية.
وفيما يلي نص الحوار:
كيف بدأت قصتك مع “حراك الريف”؟
نوال بنعيسى: بحكم أن الحسيمة ومنطقة الريف عموما فيها ارتفاع كبير في حالات الإصابة بالسرطان نظرا للغازات السامة التي استخدمتها إسبانيا في حرب الريف، تجدين أنه في كل عائلة توجد تقريبا ثلاث إلى أربع حالات إصابة في العائلة… انخرطت بشكل فردي في العمل من أجل هذه الفئة. أعرض مسكني لمريضات السرطان بحكم أنه قريب من مركز الأنكولوجيا وأساعدهن على نشر قصصهن على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على مساعدات من المحسنين للعلاج. هكذا بدأت قصتي مع النضال وهكذا اشتهر اسمي إلى حد ما في المدينة. ومنذ استشهاد شهيد لقمة العيش محسن فكري وأنا أخرج مع عائلتي للاحتجاج. وأود توضيح أمر فيما يتعلق بمركز الأنكولوجيا في الحسيمة وهي أن المركز صغير لا يمكنه تغطية عدد المصابين بالسرطان كما أنه لا يتوفر على التجهيزات الكافية ولا الأطباء في كل التخصصات. هناك من يضطر للتنقل إلى الرباط أو الدار البيضاء لإجراء الفحوصات أو لعلاج التخصصات التي لا يغطيها المركز.
ما علاقتك بزعيم الحراك المعتقل ناصر الزفزافي؟
لم تكن لي به علاقة مباشرة. كنت أتابعه وأذهب للحضور عندما يلقي كلمة وأحيانا نلتقي بشكل عابر في الوقفات الاحتجاجية أو على المنصة ونحن نلقي الكلمة.
راج الكثير من الكلام عن أنك أصبحت خليفة لناصر الزفزافي في قيادة الحراك، هل هذا صحيح؟
لست خليفة الزفزافي كما يقال، كل الريفيين والريفيات هم خليفته. وسنواصل مسيرته وإن دفعنا حياتنا ثمنا لذلك. هذا الحراك لنا جميعا، لكل من يريد الخروج ليطالب بشكل سلمي بمطالب اقتصادية واجتماعية مشروعة. وكل فرد يبتكر طريقته التي يقول بها للدولة بأن ما تفعله بنا لا يجوز، هناك من يخرج في الاحتجاجات وهناك من دخل في إضراب من تلقاء نفسه وهناك من قاطع الصلاة في المسجد بسبب الخطب المسيسة التي تقف ضد حراك سلمي يطالب بمطالب مشروعة كما قلت. هو حراك للجميع عفوي وغير مؤطر ولا موجه بل منبثق من وجدان الشعب ولهذا أسميناه حراكا شعبيا.
يتم اتهامكم من طرف البعض بأنكم انفصاليون لأنكم تحملون أعلاما أخرى خلال المظاهرات وليس العلم المغربي، فما ردك عليهم؟
نعم أرى في مواقع التواصل الاجتماعي للأسف مثل هذه الاتهامات والكلام المسيء لكن نحن لدينا ثقة أن إخوتنا في الكثير من المدن المغربية يقفون معنا ومع مطالبنا. ورقة الانفصال محروقة لأن لا أحد قدم دليلا على أننا انفصاليون. حتى الحكومة عندما خرجت بهذا البيان المهين تراجعت عنه وقالت بعدها إن مطالبنا مشروعة. نحن خرجنا من أجل حقوق كونية، الحق في الصحة والتعليم والعدالة. الريفيون يحبون الملك وقد أظهروا له ذلك منذ أول زيارة له للمنطقة في سنة 1999 لم يجد هنا سوى الحب والمودة والترحاب.
أما فيما يتعلق بالأعلام فنحن لا نمنع أحدا من رفع العلم المغربي وصور الملك، بالعكس الأعلام المغربية حُملت مؤخرا فقط ونحن نشجع على ذلك. العلم الريفي يحمله الريفيون كثيرا ليس كرمز انفصال كما يروج من مغالطات بل باعتباره جزءا من تاريخهم الذي يفتخرون به. وكذلك العلم الأمازيغي. ما المشكلة في أن يحمل شخص أمازيغي هذا العلم ليعبرعن افتخاره بأمازيغيته؟ نحن في النهاية ريفيون ومغاربة وأمازيغ وكل هذه الأعلام تعبر عنا.
إذا أردنا تعداد أبرز مطالب الحراك فما هي؟
حاليا المطلب الآني هو إطلاق سراح جميع المختطفين، هذا أبرز ما نطالب به. بالنسبة للمطالب الأخرى هناك مطلب خلق فرص عمل فالمنطقة فقيرة ونسب البطالة عالية جدا. لا يوجد مصنع أو معمل واحد في المدينة كلها، لا توجد أي تنمية اقتصادية.
وكما سبق وذكرت الريف أكثر منطقة فيها حالات إصابة بالسرطان في البلد كله، لا توجد عائلة ريفية ليست فيها على الأقل حالة إصابة واحدة بالسرطان فمن غير المعقول أن لا يكون لدينا مستشفى بجميع التخصصات لتلقي العلاج.
فيما يتعلق بالتعليم، تخيلي أن الفتيات هنا يضطررن للتوقف عن الدراسة عند مستوى الباكلوريا في أحسن الحالات لأن المجتمع هنا محافظ جدا. الأهالي لا يسمحون للفتيات بالسفر إلى مدن أخرى لمتابعة الدراسة بالتالي لا توجد آفاق لديهن. أنا شخصيا توقفت عن الدراسة بعد حصولي على الباكلوريا أولا لأن عائلتي لم تكن لتسمح بأن أتابعها في مدينة أخرى، وثانيا لأن والدي لا يستطيع تغطية تكاليف الدراسة خارج الحسيمة لستة أبناء.
بخلاصة: بطالة ومرض وتهميش وظلم وإقصاء وفقر… كل هذا اجتمع في الريف.
تتحدثين عن الريف كمجتمع محافظ جدا، لكننا لاحظنا في الحراك وجوها نسائية بارزة. نساء يتقدمن صفوف المحتجين بكل جرأة ويتم تقبلهن بشكل عادي، بماذا تفسرين ذلك؟
صحيح الريف مجتمع محافظ جدا وكان من النادر سابقا أن تخرج المرأة إلى الشارع في مظاهرات، ولكن من أجل لقمة العيش وبعد طحن الشهيد محسن فكري خرج الجميع، وبعد اعتقال ناصر الزفزافي زاد عدد النساء اللواتي أصبح يخرجن معنا بشكل ملحوظ. الشيء الوحيد الذي تغير هو أنه أصبح هناك وعي بأن الحراك يعنينا جميعا، المطالبة بهذه الحقوق أمر يخصنا جميعا رجالا ونساء وأطفالا. العديد من النساء لم يخرجن منذ البداية لكن بعد اعتقال كل هؤلاء النشطاء والمحتجين السلميين، بدأت تخرج أمهات هؤلاء وزوجاتهم وأخواتهم وبناتهم وقريباتهم أيضا… نظمنا مؤخرا مسيرة نسائية سلمية تقدمتها نساء من عائلات المختطفين وعلى رأسهم والدة ناصر الزفزافي وقوبلت بالقمع والحصار.
ألا تخشين على نفسك أيضا من الاعتقال أو التعرض للعنف خلال الاحتجاجات، خاصة أنك أم لأربعة أبناء، وما موقف زوجك من نشاطك؟
لماذا سأخاف؟ أنا لم أسرق ولم أخرب ولم أحرق لكي أخاف. كل ما أفعله هو الخروج للمطالبة بحقوق مشروعة. حتى عندما علمت بصدور مذكرة اعتقال في حقي ذهبت بنفسي إلى الشرطة. حققوا معي وخرجت. سألوني إن كنت قائدة الحراك وأحرض على الإضراب وأريد الفتنة وأجبتهم بنفس الجواب: أنا أخرج من أجل حقوق اقتصادية واجتماعية مشروعة لا غير.
أما فيما يخص موقف زوجي، فهو يساندني ويقف إلى جانبي ويتابع كل ما أقوم به.
جاءت لجنة وزارية إلى الحسيمة وتحدثت مع الناس ووعدت بإنجاز بعض المشاريع، مع ذلك استمرت الاحتجاجات. ما هو المطلوب من الدولة الآن لكي يتوقف الخروج إلى الشارع؟
الحكومة اتهمتنا بأننا انفصاليون، مع أن مطالبنا كانت واضحة، ثم تراجعت مباشرة وقالت إن مطالبنا مشروعة. جاء سبعة وزراء إلى الحسيمة وبدأوا يجوبون الشوارع ويسألون الناس عن مطالبهم. هناك بالفعل من وثق بهم رغم كل ما سبق… زرعوا فينا بعض الأمل لكن عوضا عن الاستجابة بالفعل لمطالبنا بدأت الاعتقالات وتبخرت وعودهم. هذه الحكومة فاقدة للثقة والمصداقية وبالتالي لا يمكن أن تلعب أي دور في قضيتنا. بالمقابل لدينا ثقة في الملك وننتظر تدخله.
أجرت الحوار: سهام أشطو