نور الدين البيار *
جمعتني قبل عشر سنوات ونيف، دردشة ودية مع زملاء من ليبيا وآخرين من مصر على هامش الملتقى العربي الأول للصحافة الإلكترونية الذي احتضنته القاهرة بين 27 و 29 نونبر 2010، على عهد الرئيس حسني مبارك، في أسابيع حكمه الأخيرة.
الملتقى، الذي نظمته المنظمة العربية للتنمية الادارية، بشراكة مع مؤسسة أخبار اليوم تحت شعار ’’مستقبل وسائل الإعلام في العصر الرقمي’’ بمشاركة نحو 100 مشارك يمثلون 14 دولة عربية كان تحت رعاية رجل نظام مبارك القوي، رئيس مجلس الشورى ورئيس المجلس الاعلى للصحافة بمصر صفوت الشريف.
كان النقاش داخل مركب السرايا وهو أحد المطاعم الجميلة على ضفاف نهر النيل، حيث دعينا للغداء من قبل مؤسسة أخبار اليوم المصرية.
وفي خضم النقاش الجانبي ونحن على طاولة الغداء الذي دعتنا إليه مؤسسة أخبار اليوم العريقة اتى احد الصحفيين على ذكر قضية الصحراء المغربية.
وسأل زميل مصري عن الموضوع وكيف يتحرك المغرب في الجانب الغربي من الصحراء ، كما تحدث عن الجبهة وتقرير المصير وطرح بعض الأسئلة ، من قبيل لماذا لايمنح المغرب الاستقلال لإقليم الصحراء؟.
النقاش احتدم بسبب تسارع أحداث اكديم ازيك التي كانت اندلعت قرب مدينة العيون في الأسبوع الأول من نونبر 2010، وراح ضحيتها في 8 نونبر من العام نفسه إحدى عشرة شهيدا من أفراد القوات المساعدة و الدرك الملكي والوقاية المدنية، على يد موالين لجبهة البوليساريو.
كانت معلومات الزميل المصري مغلوطة بالكامل، وجعل من عناصر الجبهة هم الضحية على اعتبار أنهم متظاهرين سلميين.
ولأني الصحافي المغربي الوحيد الذي حضر هذا الملتقى العربي والنقاش الجانبي كذلك كان ينبغي أن أتدخل ، ورغم أن الأشقاء الليبيين ادلوا قليلا ببعض المعطيات، غير أن الزميل المصري لم يقتنع، وأصر على طرح السؤال مدافعا عن أطروحة الانفصال .
بعدما أعطيته مجموعة من المعطيات عن الضحايا المغاربة ، وكيف أن بعض القنوات الاسبانية فبركت صورا لأحداث أجنبية على أساس أنها في العيون، (وهي قصة أخرى دفعتنا في رابطة الصحافة الإلكترونية إلى تنظيم قافلة للحقيقة نحو العيون، توقفت في الطريق).
حرك الزميل المصري رأسه ومط شفتيه، وكأنه لم يقتنع تماما بما قلته، غير أنني غيرت اتجاه الحديث وبدأت أطرح عليه بعض الأسئلة، هل سيناء أرض مصرية؟ أجابني بكل تأكيد ، ودي عايزة كلام؟.
ساعدتني لهجتي المصرية في مواصلة الحديث معه بها، جميل هل تقبل حضرتك أنو يكون في دولة في سيناء بخلاف الدولة المصرية؟ استفزته أسئلتي فعدل من جلسته، وهو يرد طبعا لا ، مال الجيش بيعمل ايه هناك؟.
هنا جاء دوري لأشرح له أن المغرب أيضا لا يقبل تأسيس دولة اسمها الجمهورية العربية الصحراوية، والتي ليس معترفا بها أمميا، إلا من بعض الدول الإفريقية، وخاصة الأشقاء في الجزائر.
سألني من جديد ، بس ازاي انتو بتحاربو اللاجئين هناك، والناس السلمية؟
اجبته بلغة عربية، ياصديقي، المغرب أوقف الحرب مع الجبهة في 1991، تحت رعاية أممية، وهي حرب بدأت شرارتها منذ 1963 ، تحت مسمى حرب الرمال بين المغرب والجزائر، وكان من نتائجها لاحقا تشكل جبهة البوليساريو برعاية الجيران، وكأن الجزائر لم تستغ هذه الحرب، التي انتهت ايضا بوساطة مصرية على عهد الرئيس عبدالناصر وكان الموفد أنذاك من مصر لدور الوساطة هو الرئيس الحالي محمد حسني مبارك.
اقتنع الزميل في الأخير بكلامي، بعدما كانت كل معلوماتها ملفقة من وسائل إعلام أجنبية ، وهنا تأتي خطورة الإعلام ، واهميته ايضا، في ايصال المعلومات، وهي ليست المرة الأولى التي يحدث فيها سوء فهم لما يجري، فمرة تواصلت مع صديق يمني، ورماني بسؤال مثير، لماذا تقتلون المهاجرين في سبتة ومليلية؟، فانفجرت ضاحكا، من يقتل المهاجرين ؟ لأن سبتة ومليلية ليست تحت السيادة المغربية، بل إن الحرس الإسباني هو من يصدهم وبعضهم يتوفى أثناء محاولة العبور نحو إسبانيا فلماذا يقتلهم المغرب، وهم يغادرون ولم يفعلها وهم يدخلون.
إن واقعة الزميل المصري والصديق اليمني، تكشف بالملموس أن بعض اللبس و الحقائق المزيفة يمكن أن تؤدي عكس المبتغى منها، إذا تم استغلالها من قبل خصم ما، أو أي شخص يسعى لتكييف الحقيقة مع ما يناسب مصالحه، حتى لو اضطر إلى الكذب، او ارتداء جبة ليست على مقاسه.
*صحافي مغربي وخبير في الإعلام الرقمي