24ساعة-الرباط
يسير الوضع في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، بوتيرة حثيثة، وسط محاولات تركيا تأمين حضورها الجيو سياسي في المنطقة، وتحرك كل القوى باتجاه دمشق.
هذا الوضع يحاول الصحافي المغربي والخبير في قضايا الشرق الأوسط نور الدين الدغير، مقاربته في ظل التطورات الجديدة.
فيما يلي نص المقال:
خرج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بعد سقوط نظام بشار الأسد ليقول بكل صراحة انه لو كانت نتائج الحرب العالمية الأولى مختلفة، لكانت مدن الرقة، وحلب، وإدلب، ودمشق؛ مثل عنتاب وأورفة جزءاً من مدننا، الموقف أما وأنه بأبعاد تاريخية إلا انه قد يحكي عن رغبة تركية في تأمين حضورها الجيوسياسي في المنطقة، و على نفس الخريطة السورية تتحرك إسرائيل بهدوء لتعيد رسم معالم حضورها في سوريا، تهميش اتفاق سعسع لوقف اطلاق النار الموقع عام 1974،و الوصول عسكريا حتى المنطقة العازلة، و استهداف البنى التحتية السورية و خاصة العسكرية، و الأمر بكل تأكيد مستقبل سوريا ومعه المنطقة قد لايرتبط فقط بالرغبة التركية أو الإسرائيلية و لكن يرتبط أساسا بالحاضنة العربية لدمشق و مدى تفاعلها مع النظام الجديد و أكثر من هذا كيف تريد ان ترى سوريا الجديدة في المستقبل؟
يقول هنري كسينجر في كتابه القادة إن دراسة التاريخ أمر مهم لبناء المستقبل،فالوقوف عند التجارب السابقة في المنطقة و حالة السقوط لعدد من الانظمة قد تفتح الأفاق لرؤية مستقبلية تكون دول المنطقة اللاعب الأساس و المحوري فيها، و ألا تكرر تجارب سابقة فتحت المجال لقوى اخرى تحل محلها.
غادر العرب العراق بعد سقوط صدام حسين عام 2003 ، و غابوا بشكل سياسي كبير سواء في اجتماع المعارضة قبل السقوط في لندن أو في اربيل. قد يكون الوضع الأمنى الذي سيطر على بغداد بعد السقوط عاملا مؤثرا بشكل كبير في هذا الغياب-نموذج مقتل السفير المصري في العراق عام 2005 و اختطاف عنصرين من السفارة المغربية في بغداد السنة نفسها-، و هذا مبرر قد يكون مقبولا إلى حد ما، أما أن تترك ساحة العراق فارغة فهذا ما جعله مساحة مفتوحة لمن له القدرة على اللعب بأوراقه، و قد يكون الخطا الكبير الذي ارتكب عربيا وقتها هو إخراج العراق من دائرة الإهتمام العربي و انطلقوا من المعطي الطائفي و المذهبي ليأسسوا علاقتهم ببغداد،فتركوها و جاءت إيران و ملأت الفراغ و لم تملأها مع طائفة دون اخرى بل تواصلت مع القوميات الثلاث المهمة، قوت حضورها في حاضنتها المذهبية أي مع الشيعة في الجنوب، و سنة الوسط، واكراد الشمال، أمر لاتلام عليه إيران بالتاكيد فلكل دولة استراتيجيتها التي تؤمن لها مصالحها القومية بعيدا عن حسابات الدول الأخرى، و الأهم في كل هذا أن العودة العربية إلى العراق لاتزال تواجه عثرات نتاج السياسات السابقة
في ظل المتغيرات الحالية في سوريا يطرح السؤال بالعنوان العريض ، كيف سيكون موقع الدول العربية خلال المرحلة المقبلة، هل ستبقى على اتباع سياسة الاماكن الفارغة، وهل سيتكرر خطا بغداد في دمشق، قد تكون هذه السياسة واردة إذا ما حاول الساسة العرب تقزيم دمشق الجديدة في التيار الذي يحكم بأمر الواقع- أي إدارة العمليات العسكرية -أو تحت العنوان السياسي هيئة تحرير الشام،فهل يتكرر سيناريو العراق الذي عوقب على خطه الطائفي، فتتم محاسبة سوريا على خطها الإيديولجي ذو النزعة الإسلامية على الإقل حتى اللحظة و لانعلم المتغيرات التي يمكن ان تحدث بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في مارس المقبل،و أي معاقبة لسوريا مابعد بشار الأسد سواء بمغادرتها، أو تحريك آليات سياسية وأمنية لإضعاف السلطة القائمة قد يجر البلد إلى الفوضى و الفراغ، وهذه المرة الفراغ لن تملؤه تركيا كما يتوقع البعض، فعناصر إقليمية مهمة و فاعلة ستكون حاضرة،تركيا، إسرئيلو حتى إيران ستجد لها طريقا حتى و إن كثر الحديث عن مغادرتها سوريا بعد سقوط بشار الأسد
المتتبع للواقع السوري حاليا يرى أن كل القوى تتحرك باتجاه دمشق من دون محاذير سابقة، واشنطن تربط اتصالات مع جبهة تحرير الشام و تفكر في إرسال موفد لها إلى دمشق حتى و إن كانت الجبهة مصنفة جماعة إرهابية وأحمد الشرع أو الجولاني مطالب أمريكيا، فلعبت المصالح الأمريكية أكبر من قرار اتخذ و يمكن ان يرفع في أي لحظة و قد خبرت واشنطن هذه السياسة فالزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا وحزب المؤتمر الوطني ظلا علي قائمة الإرهاب منذ عام 1989 اإلى 2008 و لم يمنع هذا من وصول الحزب إلى السلطة بعد الإطاحة بنظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا عام 1993، لذا فكل الحسابات في السياسة الأمريكية ممكنة و ترتبط بالواقع، و لم يتأخر الاتحاد الأوربي كذلك و معه بريطانيا عن المجيء إلى دمشق،و تواصل موسكو فتح خطوطها الدىبلوماسية،و طهران تتبع برغماتية الديبلوماسية للوصول إلى دمشق و لايضعون حواجز بينهم و بين الواصلين إلى السلطة في دمشق.
عربيا فاجتماع العقبة قد يكون نقطة تحول مهمة في دعم الحالة السياسية الجديدة في سوريا،فالبيان الختامي للجنة الاتصال الوزارية التابعة لجامعة الدول العربية بشأن سوريا أكدت على الوقوف الى جانب الشعب السوري و تقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته،ودعم أي عملية انتقالية سلمية سياسية سورية واحترام إرادة الشعب السوري وخياراته،كل هذا الكلام يبقى جميلا، و الاهم ان يتحول إلى برنامج عملي تتفادى فيه الدول العربية الأخطاء التي تمت في التجارب السابقة حتى لاتفقد المجموعة العربية لاعبا قد يكون أساسيا في لعبة المحاور المقبلة للمنطقة سواء بالعلاقة مع تركيا أو ايران او إسرئيل.