إدريس العولة-وجدة
شكلت مدينة وجدة، وعلى مر عقود طويلة من الزمن، الموطن الآمن، والحضن الدافىء، والحصن المنيع لآلاف المواطنين الجزائريين الذين فروا من جحيم الإستعمار الفرنسي، وشكلت وجدة أيضا، المدرسة الأولى التي سهرت على تربية وتعليم وتكوين العشرات من الزعماء الذين حكموا البلاد، منهم من لقي حتفه، ومنهم من لا يزال شاهدا على الفضل الكبير للمغاربة عامة وساكنة وجدة خاصة، في تحرير الجزائر من الإستعمار الفرنسي.
ارتبطت عائلة “بوتفليقة” ارتباطا وطيدا بمدينة وجدة، منذ عشرينيات القرن الماضي عندما هاجر الوالد ” أحمد بوتفليقة” من قرية ولاد عمر ضواحي مدينة تلمسان الجزائرية، واستقر بعاصمة الشرق لمدة فاقت أربعة عقود من الزمن هروبا من الوضع الأمني الغير مستقر بالجزائر ، رفقة أسرته المتكونة من 13 فردا.
كان لعبد العزيز بوتفليقة 9 إخوة 4 ذكور وهم ” مصطفى ، سعيد، عبد الغني، عبد الرحيم” و 5 إناث وهن ” لطيفة، زهور” إضافة إلى 3 أخوات غير شقيقات وهن” فاطمة، يمينة ، عائشة” بنات الزوجة الأولى، لأن والده كان متزوجا من امرأتين.
بوتفليقة لم يستطع فرض ذاته داخل محيطه وبيئته بسبب شكله النحيف
إن ساكنة مدينة وجدة، لم تبخل يوما على جيرانها في الضفة الشرقية، خلال الفترات العصيبة التي كانت تمر منها الجزائر، في مدارس وجدة تعلم هؤلاء الزعماء، وفي ثكناتها العسكرية تدربوا على حمل السلاح، وفي مساجدها وعلى يد شيوخها تعلموا معنى الجهاد للدفاع عن حوزة الوطن.
عاش عبد العزيز بوتفليقة الرئيس السابق للجزائر حياة صعبة و مضطربة منذ ولادته يوم 2 مارس من سنة 1937 بمدينة وجدة، حيث لم يستطع فرض ذاته داخل محيطه وبيئته بسبب شكله النحيف وقامته القصيرة، إذ ظل محط سخرية و ” تنمر” من قبل أقرانه.
وتشكلت لديه عقدة نفسية كبيرة كادت أن تعصف بحياته، فلولا مساعدة وتشجيع والده الذي كان يتمتع بنفوذ قوي داخل مدينة وجدة، بسبب موالاته للإستعمار الفرنسي، حيث كان يوفر له كل ما يحتاجه من إمكانيات لتجاوز محنته، ويحثه على الاهتمام بدراسته وعدم الاكتراث لنظرات رفاقه، ووعده بمساعدته في الانضمام إلى الشرطة البلدية بوجدة مجرد ما ينهي دراسته الثانوية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قام والده بتشجيعه من أجل الالتحاق بأحد الفرق المسرحية بمدينة وجدة، بغاية إدماجه في المنظومة الإجتماعية و لتجاوز عقدته النفسية، إذ سرعان ما تحول الفتى إلى ممثل مسرحي بارع، حيث شارك في العديد من العروض المسرحية، وأصبح الكل يتنبأ له بمستقبل زاهر في مجال المسرح، بعد ما استطاع أن يفرض نفسه داخل الخشبة، وصار يتجاوز عقدته النفسية شيئا فشيئا.
واستمر الحال على حاله، إلى أن بلغ 19 سنة من عمره، فقرر عبد العزيز بوتفليقة الإلتحاق بالشرطة البلدية بمدينة وجدة، بعدما قام والده بالتوسط له، بالنظر إلى النفوذ الذي كان يتمتع به داخل مدينة وجدة، إلا أن الصدمة كانت قوية بالنسبة ل ” عبدالعزيز” حيث تم رفض طلبه نظرا لقصر قامته إذ كانت تنقصه 3 سنتيمترات لقبول ترشيحه في قسم الشرطة البلدية لمدينة رغم المحاولات العديدة لوالده من أجل الضغط على اللجنة التي كانت تتولى عملية انتقاء المترشحين، ليدخل من جديد عبدالعزيز بوتفليقة في أزمة نفسية حادة وفق ما ذكر الصحافي الجزائري فريد عليلات في كتابه “القصة السرية” لعبد العزيز بوتفليقة.