إدريس العولة -وجدة
شكلت مدينة وجدة، وعلى مر عقود طويلة من الزمن، الموطن الآمن، والحضن الدافىء، والحصن المنيع لآلاف المواطنين الجزائريين الذين فروا من جحيم الإستعمار الفرنسي، وشكلت وجدة أيضا، المدرسة الأولى التي سهرت على تربية وتعليم وتكوين العشرات من الزعماء الذين حكموا البلاد، منهم من لقي حتفه، ومنهم من لا يزال شاهدا على الفضل الكبير للمغاربة عامة وساكنة وجدة خاصة، في تحرير الجزائر من الإستعمار الفرنسي.
إن ساكنة مدينة وجدة، لم تبخل يوما على جيرانها في الضفة الشرقية، خلال الفترات العصيبة التي كانت تمر منها الجزائر، في مدارس وجدة تعلم هؤلاء الزعماء، وفي ثكناتها العسكرية تدربوا على حمل السلاح، وفي مساجدها وعلى يد شيوخها تعلموا معنى الجهاد للدفاع عن حوزة الوطن.
كل هذا الفضل الكبير، لم تتذكره مجموعة وجدة التي حكمت الجزائر، فبدل أن تعترف بالجميل والعرفان، فضلت أن ترد بالحقد والعداء، وفي المقابل علينا أن لا ننسى بعض هؤلاء الزعماء الذين ظلوا يكنون احتراما كبيرا للمغرب وفي مقدمتهم الرئيس الشادلي بن جديد، والرئيس محمد بوضياف وغيرهما من الشخصيات السياسية الجزائرية.
عبد العزيز بوتفليقة: المولد والنشأة
رأى عبد العزيز بوتفليقة الرئيس السابق للجزائر، النور يوم 2 مارس من سنة 1937 بمدينة وجدة، وبالضبط بزنقة إشقفان بالمدينة العتيقة، داخل أسرة متكونة من 9 أشقاء، والده يدعى أحمد بوتفليقة، ووالدته المنصورية غزولي، هاجر والداه من الجزائر وبالضبط من مدينة تلمسان نحو وجدة هروبا من القلاقل التي كانت تشهدها البلاد بعد اجتياحها من قبل الإستعمار الفرنسي.
التحق عبد العزيز بوتفليقة بمدرسة سيدي زيان غير بعيد عن مسكن أسرته داخل أسوار المدينة العتيقة، وبعد انهائه للمرحلة الإبتدائية سنة 1948 ، التحق بثانوية عمر بن عبدالعزيز لإتمام دراسته رفقة مجموعة من أبناء أعيان المدينة وعلى رأسهم أحمد عصمان، مؤسس حزب التجمع الوطني للأحرار.
عاش عبد العزيز حياة عادية بزنقة إشقفان داخل أسوار المدينة العتيقة، قبل أن تقرر أسرته الإنتقال إلى مسكن آخر على مستوى زنقة مضرومة على بعد خطوات من الملعب البلدي بوجدة، إذ لا زال هذا المنزل شاهدا على جزء كبير من حياته، بعد أن قام بترميمه خلال توليه منصب رئيس الجمهورية الجزائرية.
عبد العزيز بوتفليقة من شاب عادي إلى قيادي
لم يكن رفاق عبدالعزيز بوتفليقة من المغاربة الذين عاشروه أو درسوا معه ، يعتقدون أن ذلك الشاب الهادىء الكتوم سيتحول فجأة إلى قيادي بارز في صفوف جيش التحرير الجزائري.
بعد استقلال المغرب بشهور قليلة ، تأسست النواة الأولى لجيش التحرير الوطني الجزائري، حيث شكلت مدينة وجدة قاعدة خلفية لهذا التنظيم إلى حدود نيل الجزائر لاستقلالها، وكان التأسيس على مجموعة وجدة مجموعة وجدة، هو الاسم الذي اختاره الجزائريون لعدد من كبار المسؤولين الذين لجؤوا إلى المغرب في خمسينيات القرن الماضي، وبالتحديد إلى مدينة وجدة، للاستقرار فيها بعيدا عن الآلة العسكرية الفرنسية التي كانت تفتك بالبلد منذ 1830.