إدريس العولة -وجدة
شكلت مدينة وجدة، وعلى مر عقود طويلة من الزمن، الموطن الآمن، والحضن الدافىء، والحصن المنيع لآلاف المواطنين الجزائريين الذين فروا من جحيم الإستعمار الفرنسي، وشكلت وجدة أيضا، المدرسة الأولى التي سهرت على تربية وتعليم وتكوين العشرات من الزعماء الذين حكموا البلاد، منهم من لقي حتفه، ومنهم من لا يزال شاهدا على الفضل الكبير للمغاربة عامة وساكنة وجدة خاصة، في تحرير الجزائر من الإستعمار الفرنسي.
ارتبطت عائلة “بوتفليقة” ارتباطا وطيدا بمدينة وجدة، منذ عشرينيات القرن الماضي عندما هاجر الوالد ” أحمد بوتفليقة” من قرية ولاد عمر ضواحي مدينة تلمسان الجزائرية، واستقر بعاصمة الشرق لمدة فاقت أربعة عقود من الزمن هروبا من الوضع الأمني الغير مستقر بالجزائر ، رفقة أسرته المتكونة من 13 فردا.
كان لعبد العزيز بوتفليقة 9 إخوة 4 ذكور وهم ” مصطفى ، سعيد، عبد الغني، عبد الرحيم” و 5 إناث وهن ” لطيفة، زهور” إضافة إلى 3 أخوات غير شقيقات وهن” فاطمة، يمينة ، عائشة” بنات الزوجة الأولى، لأن والده كان متزوجا من امرأتين.
يوم ظل بوتفليقة ملتصقا بنعش الحسن الثاني
لا زال الجميع يتذكر صورة الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة لما حطت الطائرة التي كانت تقله بمطار الرباط سلا، والدموع تنهمر من عينيه وعلامات الحزن الشديد بادية على محياه، حزنا على رحيل الحسن الثاني رحمه الله.
ولا زال العالم كله يتذكر أيضا تلك الصورة التي ستبقى موشومة في أذهان كل المغاربة الذين تابعوا موكب تشييع جنازة الراحل الحسن الثاني، التي كانت منقولة عبر العديد من القنوات العالمية، للرئيس الجزائري وهو يسير ملتصقا بنعش الحسن الثاني وأبى أن لا يفارقه، إنطلاقا من القصر الملكي العامر حتى صومعة حسان أين وري جثمان الراحل الثرى بجانب قبر والده محمد الخامس طيب الله ثراه.
ولا يزال الكل يتذكر، برقية التعزية التي بعثها عبدالعزيز بوتفليقة إلى الشعب المغربي وما تضمنتها من عبارات الحزن والأسى على فراق الراحل الحسن الثاني، وكذا ما جاء فيها أيضا من عبارات التقدير والاحترام للمغرب ملكا وشعبا، وأواصر الأخوة والمحبة وحسن الجوار التي تجمع بين البلدين الشقيقين، حينها اعتقد الجميع أن العلاقة بين المغرب والجزائر ستعرف إنفراجا لا محال، وبالتالي سيتم فتح صفحة جديدة في العلاقة بين البلدين الجارين، وخاصة أن الأمر يتعلق برئيس ولد وترعرع ودرس بالمغرب ويعرف جيدا فضل هذا البلد عليه وعلى شعبه إبان احتلال الجزائر من قبل الفرنسيين.
واستبشر المغاربة والجزائريون على حد سواء خيرا، واعتقد الجميع أن المياه ستعود إلى مجاريها، وأن الحدود البرية المغلقة منذ 5 سنوات ستفتح، بعدما تم إغلاقها من جانب واحد، على إثر الأحداث الإرهابية التي شهدها فندق “إيسني” بمراكش خلال صيف سنة 1994 وبينت الأبحاث والتحريات التي أجرتها المصالح الأمنية المغربية تورط جزائريين في هذا العمل الإرهابي.
ولكن كانت مفاجأة المغاربة غريبة وصادمة، لما عاد عبد العزيز بوتفليقة إلى الجزائر وشرع في سب المغاربة خلال خرجاته الشعبوية التي تعود عليها إبان فترة حكمه للجزائر، حيث أكد في إحدى خطبه وعلى الهواء مباشرة بالقناة الرسمية الجزائرية، أن بلاده ليست بحاجة إلى فتح الحدود البرية بين البلدين، لكون أن الجزائر لا تستفيد شيئا من فتح الحدود مع المغرب، واتهم المغاربة بإغراق بلاده بمادة ” الحشيش” والأدوات المنزلية، أو ما أصبح يعرف لدى المغاربة عامة وساكنة وجدة خاصة بخطاب ” قش بختة وفناجن مريم”.
حينها أدرك المغاربة ومعهم الجزائريون أيضا ، أن رئيس الجمهورية الجزائرية مجرد دمية بين يدي الجيش الذي يتحكم في دواليب تسيير البلاد، وأن الرئيس والحكومة والبرلمان وباقي المكونات الأخرى مجرد لعبة مفبركة لإيهام المنتظم الدولي، أنه أمام دولة ديمقراطية وحداثية تصبو إلى لعب دور ريادي بالمنطقة.