عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط
الكل كان ينتظر بترقب شديد، موعد اللقاء التلفزيوني المفاجئ للسيد رئيس الحكومة، ليضبط الجميع عقارب ساعاتهم على التاسعة والنصف من مساء أمس، على أمل أن يسمعوا أخبارا سارة، بعد قرابة شهر ونصف وهم ملتزمين بالحجر الصحي المتعب، ظل المواطنون ينتظرون ظهورا ملفتا لرئيس الحكومة لعله يطفىءظمأهم، ليحسم انتظاراتهم العالقة، وأسئلتهم الحارقة، فيقدم لها أجوبة شافية وكافية، تكشف مستقبل و مآلات الجهوذ الجبارة التي بذلتها الدولة المغربية، تحت الإشراف السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الذي وضع خطة استباقية وتصورا شاملا لإدارة أزمة جائحة كورونا باقتدار كبير، لكن العكس من هذا هو الذي ظهر به السيد العثماني، فهو آثر على نفسه أنه لم يفصح لنا عن السيناريوهات المحتملة للخروج من الحجر الصحي، وماهي الحلول العملية والآنية التي أعدتها حكومته الموقرة، للحد من الآثار السلبية المحتملة لهذا الوباء على اقتصادنا الوطني.
لكن كما يقال تمخض الجبل فولد فأرا، السيد رئيس الحكومة، أطل علينا في ليلة رمضانية، ليقول لنا بكل جرأة لم يوظفها فيما ينفع، أنه حكومته المكونة من أغلبية، لا تمتلك تصورا للخطط المستقبلية أو الاستشرافية، التي من المفروض أن تكون جاهزة، ونحن نجتاز أزمة وبائية عالمية، ليفضل بذلك أن يظهر لنا بمظهر محدود الأدوار كرئيس للحكومة، متناسيا على ما يبدو ما منحه دستور 2011، من صلاحيات، تضع مؤسسة رئاسة الحكومة، في قلب مربع الحكم، باختصاصات هامة، تجعل من منح الثقة للمواطنين قطب الرحى، ومحورا هاما في تدبير السياسة العامة، الذي يفترض عند عجزها عن ممارسة مهامها أن تقدم استقالة جماعية، لا أن تتعذر بأنها لا تملك تصورات واضحة، لحل الأزمات التي عجزت عن حلها بسبب تخبطها أو هشاشة أغلبيتها كما ظهر لنا في الآونة الأخيرة بسبب مشروع قانون 22.20، الذي اضطرت إلى تأجيله وسحبه من جدول أعمالها.
لقد تناسى السيد العثماني، أنه يخرج للإعلام العمومي، في ظرف خاص ومقلق، هو مجبر بحكم صلاحياته الدستورية أن يجيب المغاربة عن أسئلتهم العالقة، سواء ما يتعلق بطبيعة الوضعية الوبائية، أو بالتداعيات السلبية، على الاقتصاد، وهنا لم يقدم السيد رئيس الحكومة ولا معلومة اقتصادية واحدة، بل راح يفتخر بدول العالم التي هي أيضا لا تملك أي تصور أو سيناريو لوضعها الاقتصادي، متناسيا على ما يبدو أنه في بداية شهر أبريل، صرحت ما يقارب 142000 مقاولة مغربية أي ما يعادل 57 في المائة من مجموع المقاولات أنها أوقفت نشاطها بشكل مؤقت أودائم، حيث أن أزيد من 135000 مقاولة اضطرت إلى تعليق أنشطتها مؤقتا، بينما أقفلت 6300 مقاولة بصفة نهائية.
عندما يكرر السيد العثماني، أنه لا يمتلك تصورا واضحا للأزمة، ولا لطريقة تدبيرها، فهو يرهن مستقبل البلاد للضعف، وللخوف، عوض بث الأمل، ولا يظهر قوة حكومية ولا رغبة ولا إرادة في الدفع بعجلة الاقتصاد المنهك، في محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهذا الأمر في اعتقادنا يطرح ما الجدوى إذن من هذه الخرجة التواصلية الفاشلة؟ إذا لم تقدم ما يشفي الغليل، ويطمئن قلوب المغاربة، لأنه لا يعقل أن دولتنا المغربية التي وضعت خطة استباقية محكمة، حظيت باشادة عالمية، بفضل التوجيهات الملكية، هي الآن بعد التصريحات المرتبكة للسيد العثماني، لا تمتلك تصورا لأزمة الوباء، ولا حلول ناجعة للتصدي له في مختلف الجوانب!!!!؟.
سنحاول أن نذكر هنا السيد العثماني، الذي اختار أن يظهر بمظهر ضعيف وعاجز عن امتلاك الحلول السحرية كما يدعي، أن الدستور المغربي، يمنحك كل القوة والشجاعة السياسيتين، من أجل امتلاك كل التصورات والخطط التنموية، فالدستور الجديد للمملكة، الذي تم التصويت عليه في استفتاء فاتح يوليوز 2011 ، حمل معه تحولات نوعية، تعيد النظر في جملة من اختصاصات مؤسسة رئيس الحكومة، التي كانت تسمى قبل ذلك بمؤسسة الوزير الأول، فبعد دستور 2011، تعززت صلاحيات رئيس الحكومة بإرادة ملكية التي بعثث برسائل سياسية، أعادت الأمل في تكريس مزيد من الإصلاحات، التي هي اليوم خيار ديمقراطي لا محيد عنه، وهنا لا نعتقد أن السيد العثماني حظي بالثقة الملكية، وثقة الشعب، ليزرع بيننا اللاثقة، وفي نفوس ملايين المغاربة، الخوف من مستقبل مرعب، في الوقت الذي كان حريا به أن يسلك مسلك الشفافية والقوة في الطرح الفكري والاقتصادي، لكنه للأسف خيب آمالنا.
ما ينبغي التأكيد عليه، والذي تناساه السيد العثماني، أن تعزيز مشروع الدستور لصلاحيات مؤسسة الحكومة وتمتيعها بسلطات أكبر، يتوخى في عز الأزمات، تمكين هذه المؤسسة من ممارسة مهامها في إطار اختصاصات محددة المعالم، وصلاحيات واسعة، لجعلها في الوقت ذاته، مسؤولة أمام ممثلي الأمة بالبرلمان، وبالتالي أمام الشعب المغربي الذي يمتلك، في حالة عدم رضاه عن مستوى أدائها، الحق في تغييرها عبر صناديق الاقتراع. إن تعزيز مشروع الدستور لصلاحيات الحكومة وتمتيعها بسلطات أكبر من أهم المستجدات، التي جاء بها في الربيع المغربي، في خطوة حاسمة من أجل ترسيخ الممارسة الديمقراطية بالمملكة، وجعلها ترقى إلى مصاف الديمقراطيات المتقدمة، شريطة أن تتحمل مؤسسة رئاسة الحكومة مسؤولية السياسات والبرامج التي على أساسها حظيت بثقة المواطن، لا أن تخرج في عز الأزمة، ويقول لنا رئيسها إنني لا أملك تصورا!!!.
السيد العثماني تناسى أنه كان يتحدث تحت رقابة
الدستور الجديد، الذي سما بموقع الوزير الأول، الذي أصبح مؤسسة قائمة بذاتها، وعزّز من المسؤولية السياسية للحكومة أمام غرفتي البرلمان، إن هذا القصور الذي أبان عنه السيد العثماني، يخفي وراءه مشكلا سياسيا ومؤسساتيا ودستوريا وليس تواصليا فحسب، ينضاف لمتاعب الأغلبية الحكومية التي تفتقد للانسجام، لولا الدعم الملكي الذي يحرص على تكريس الخيار الديمقراطي واعتباره خطأ احمرا لا يمكن المساس به، لكن الحكومة لم تكن في مستوى التطلعات الملكية، ولا توجيهات الملك!!!!.
لقاء ليلة أمس، يظهر شيئا واحدا وهو أن السيد رئيس الحكومة خرج للإعلام وهو فاقد لخطة واضحة ولتصور واضحين، إن السياسة ليست عملا تقنيا هو مرتبط فقط بإنتاج سيناريوهات، بل هي ممارسة حكومية شجاعة، تفرض على كل مسؤول حكومي، أن يكون قادرا على تحمل مسؤوليته، ويكون على دراية تامة بالمعاني السلبية بتصريح خطير يقول بأن دولة كالمغرب لا تتوفر على تصور!!؟ في حين أن سبب وجود رئاسة للحكومة، يقتضي حملها لمشروع سياسي متكامل هو في محصلته النهائية، حامل لتصور شامل الأزمات والمشاكل الاقتصادية او الاجتماعية سواء في العادي من الأيام، أو الأصعب منها.
إن هذا التصريح الغير المسؤول ضرب في الصميم، كل الجهود التي تسهر على التخطيط ووضع سبل النجاة من الجائحة بأخف الأضرار، والتي قام بها أطر وخبراء وعلماء، ليطلع علينا السيد العثماني فينفي امتلاكه لأي تصور، في الوقت الذي كان حريا به، أن يثمن هذا الجهد المعتبر، لأنه يتحدث باسم الدولة لا يحق له التصريح بهذا الكلام الخطير، وادعاء بأن مؤسسة رئاسة الحكومة عاجزة عن جمع المعطيات الرسمية أو فاشلة في توجيه السياسات العمومية، إن ما قاله السيد رئيس الحكومة، هو مشكلته وليست مشكلة الدولة ولا المجتمع الذي انتخبه جزء منه لتحمل مسؤولية كبيرة يأتينا اليوم في عز الأزمة ليؤكد أنه بات عاجزا عن امتلاك تصور لمواجهتها.
إن هذا الكلام يحمل إساءة كبيرة لكل الجهود التي يبذلها الوطن، مادام رئيس حكومتها لا علم له بالأمور المهمة الجارية، إنه في اعتقادنا عذر أقبح من زلة، لأن تصريح السيد العثماني، لم يكلف نفسه عناء الإعلان أن حكومته التي باتت تعاني متاعب كثيرة، هذه الأيام، هي بصدد الاشتغال على تصور شامل للجائحة، قد يحد من التداعيات الاقتصادية، لا أن يظهر بمظهر رئيس حكومة صوري، وأن معرفته بخبايا الوباء وتداعياته، لا تتجاوز سقف ما نعرفه نحن كمواطنين.
خلاصة القول، أن من استبشر خيرا بالخرجة الإعلامية للحكومة، سيتيقن لا محالة أن اغلبيته ممعنة في هدر المزيد من الزمن السياسي والاقتصادي، لأنها تعترف على نفسها وبلسان حال رئسيها أنها لا تملك تصورا ولا خطة إنقاذ ولا استراتيجية استشرافية لما سيكون عليه واقعنا الاقتصادي والاجتماعي بعد كورونا، وليس فقط امتلاك سيناريوهات محتملة لرفع حجر صحي، بدل التفكير في الأهم من هذا وهو إيصال سفينة الوطن إلى بر الأمان.
عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط: رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية