بعد اشتعال فتيل الاحتجاجات الشعبية في إيران ضد سياسة طهران الداخلية و الخارجية ، مطالبة بالإصلاح الإقتصادي و معالجة قضايا الفساد داخل الدولة ، و أيضاً تصحيح نهج طهران بما يخص تعاملاتها الدولية بإشارة واضحة لرفض التدخل الإيراني بالشأن السوري ، لم تمضِ إلا أيام معدودات على دوي صوت الاحتجاجات الشعبية في إيران ، المنادية بشعارات صادقة خرجت من صميم واقعهم ، فالحكومة الإيرانية تجني الضرائب من الشعب لتنفقها على تدخلاتها الإقليمية و دعم ميليشياتها في لبنان و غيرها ، إلا و قامت المخابرات الإيرانية و قوات الحرس الثوري بتحوير مضمون الشعارات التي نادى بها المحتجون و تسييسها ، وذلك من أجل تبرير تدخلهم لإخماد الاحتجاجات و سد أفواه المتظاهرين، وبالفعل بدى الصوت يبهت و ينخفض ، بحصيلة بلغت حوالي أكثر من 20 قتيلاً و ما يقارب ال 500 معتقل وعدد من الجرحى خلال ستة أيام فقط ، لكن هذا لا يعني بالضرورة انتصار هذه القوات بقمع المتظاهرين ، فدماء هؤلاء القتلى – من الشعب الإيراني – أثناء فض الاحتجاجات ما زالت تصبغ شوارع المدن الإيرانية .
فهل ستذهب هذه الدماء سدىَ؟؟ألا يمكن أن يثور أهل هؤلاء القتلى انتقاماً لدماء فلذات كبدهم؟
إن هذه الأحداث لم تأتِ من العدم ، فماهي إلا نتيجة طبيعية لمخاض طويل و عسير يمر به الشعب الإيراني متمثلاً بسياسة نظام الملالي الخاطئة في مجالات عديدة ، فمن الناحية الاقتصادية نسبة كبيرة من الشعب الإيراني تصل إلى ثلث عدد السكانتعيش تحت خط الفقر بمعدّل بطالة مرتفع، وفي المقابل أكثر من نصف الميزانية الإيرانية تنفق على الأسلحة و العمليات العسكرية الخارجية ، و من الناحية السياسية فإن أعمال حكومة إيران القائمة على إقحام الحرس الثوري والميليشيات التابعة له بذخيرةٍ تشترى و تصنّع من ضرائب تقتطع من قوت يوم الشعب الإيراني ، و ما ينتج عن هذه التدخلات من خسارات بشرية و مادية كبيرة ، و آخرها الإخفاق الحاصل في سوريا والذي تثبته هذه الاحتجاجات خاصة برفع بعد المتظاهرين للعلم السوري و صور لبشار الأسد منددين بأعماله و تعاون حكومتهم معه و دعمها له،وما نتج عن هذه التدخلات من تخريب و تدمير و تشريد العوائل وقتل لا يستثنِ مسناً ولا طفلاً ولا امرأةً ولا شاباً بوحشية وهمجية ، وغيرها من فساد في دوائر الدولة تعود انعكاساته على حياة الشعب الإيراني ، كل هذه الإرهاصات في بنية الدولة داخلياً و علاقاتها خارجياً كانت كفيلة لتفجّر ثورة عارمة طالت عدد كبير من المدن الإيرانية بمافيها العاصمة طهران و مدن هامة و كبيرة ك مشهد ثاني أكبر مدن البلاد، ويزد و نيشابور وشاهرود وكاشمر وأصفهان و غيرها ، واتساع رقعة الاحتجاجات إلى ما يقارب 80 مدينة إيرانية بوقت قياسي .
أما عن خروج مظاهرات مؤيدة للنظام الإيراني
– بفرض كانت مظاهرات حقيقية وليست من ترتيب النظام ذاته – فهذا لايعبر عن إرادة شعبٍ كامل ، وهذه المظاهرات لا تغير حقيقة فساد النظام الإيراني ، وإن كانت الاحتجاجات خمدت هذه الفترة فهذا لا يعني نجاح الحرس الثوري بمهمة إسكات صرخات الشعب المطالب بحقوقه ، بل لعلّ هذا الهدوء هو هدوء ماقبل العاصفة ، ولعلّ هذه الاحتجاجات قصيرة المدّة كبيرة الانتشار ستكون باكورة لاحتجاجات أكبر و أضخم و ثورة لا يوقفها بطش الحرس الجمهوري ولا تخمدها أسلحة نظام الملالي ، فالحرس الذي يرفع سلاحه على شعب بدلاً من الحرص على حمايته من أي خطر يهدّده يمكن أن يستطيع عرقلة أو تأخير تحقيق أهداف الشعب لكنه من المستحيل أن يوقف إرادة شعب تعطّش لنيل الحرية والعيش في دولة ديمقراطية تحقق مطالب الشعب و تضعها على سلم أولوياتها، و تأخذ من العدالة و المساواة نظاماً و منهج.
ولا سيّما أن ثورات عديدة توالت في إيران آخرها كانت الثورة الخضراء التي قامت بسبب احتجاج الشعب على تزوير نتائج الانتخابات عام 2009 .
و السؤال هنا : هل العلقم الذي تسقيه لغيرك اليوم ستتجرّعه أنت غداَ ؟!
صحفيّة سوريّة – مقيمة في تركيا