24ساعة-و م ع
واقع جديد ذاك الذي تواجهه التجارة العالمية، سمته سياسة الرسوم الجمركية الجديدة التي تنهجها الولايات المتحدة، من خلال زيادة هامة في الضرائب المفروضة على واردات الصلب والألومنيوم، وإقرار تعريفات متبادلة على كافة البضائع المستوردة.
هذه السياسة التي أقرها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تشمل زيادة بنسبة 25 بالمائة على واردات الصلب والألومنيوم، و25 بالمائة على المنتجات الكندية والمكسيكية، من المرجح تطبيقها اعتبارا من فاتح مارس المقبل، و10 بالمائة من الرسوم الإضافية على المنتجات الصينية ابتداء من 12 مارس، فضلا عن تطبيق مبدإ المعاملة بالمثل إزاء الدول التي لا تربطها اتفاقيات تجارية مع واشنطن.
وإذا كان قاطن البيت الأبيض ما فتئ يعدد مزايا هذه الاستراتيجية التي يرتقب أن تساهم، برأيه، في تصويب كفة الرسوم الجمركية “المجحفة” التي تعاني منها الولايات المتحدة، وفي مقام أول توطيد شعار “صنع في أمريكا”، الذي يعد أساس أجندته “أمريكا أولا”، فإن الاقتصاديين يحذرون من أنها تنذر بنشوب حرب تجارية ستكون لها تداعيات على استقرار النظام العالمي، وتلحق الضرر في خضم ذلك بالسوق الأمريكية.
من خلال توقيعه، الأسبوع الماضي، مرسوما رئاسيا يأمر إدارته بوضع جرد، قبل مطلع أبريل المقبل، بهدف تطبيق مبدإ المعاملة بالمثل، حذر ترامب من أن الرسوم الجمركية الجديدة ستكون “جد باهظة”.
وصرح ترامب، خلال لقاء صحافي في البيت الأبيض، بأن “الأرقام ستكون جد عادلة ولكنها باهظة”. وتنبه وكالة (بلومبرغ) الإخبارية المتخصصة إلى أن هذا الإجراء ينذر بأن يتسبب في “أكبر اضطراب للاقتصاد العالمي حتى الآن”.
هذا القرار أثار حفيظة بعض أقرب الشركاء التجاريين لأمريكا، بما في ذلك الصين (حوالي 600 مليار دولار خلال 2024)، والمكسيك والهند وفيتنام، وكذا الاتحاد الأوروبي، الذي لم يتأخر في الرد.
إذ اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن “هذه الخطوة تسير في الاتجاه الخاطئ”، متعهدة برد فعل “حازم وفوري” من الكتلة الأوروبية ضد “العقبات غير المبررة أمام التجارة الحرة والعادلة”.
وقالت المسؤولة الأوروبية إن الولايات المتحدة، ومن خلال إقدامها على تلك الخطوة، “تفرض ضرائب على مواطنيها، وتزيد التكاليف على الشركات، وتعرقل النمو، وتساهم في رفع التضخم”.
بيد أن تهديدات ترامب بدأت تؤتي أكلها. فخلال استقبال الرئيس الأمريكي لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في البيت الأبيض، خلال الأسبوع الماضي، أكد مسؤولون هنود أن شبه القارة الهندية تعتزم زيادة وارداتها من النفط والغاز الأمريكي.
كما أعلنت بلدان آسيوية أخرى، من بينها اليابان وفيتنام، عن قرارات مماثلة، فيما تسارع العديد من الدول التي تخشى أن تطالها الضرائب الجديدة، إلى إطلاق المفاوضات مع واشنطن، وذلك حسب ما أفادته (وول ستريت جورنال).
توصي صحيفة الأوساط الاقتصادية بأن الحل الأمثل يكمن في “التفاوض بشأن اتفاقيات تجارية ثنائية، على غرار ما تقوم به الصين”. في المقابل، تلاحظ الجريدة المقربة من اليمين أن “تهديدات ترامب (…) تشجع بلدانا أخرى على التقرب من بكين”.
على الصعيد الداخلي، رصدت العديد من الدراسات التأثيرات السلبية لسياسة الرسوم الجمركية على القدرة الشرائية للأسر الأمريكية، فيما جعل ترامب من خفض الأسعار أحد أهدافه الرئيسية.
في تحليل حديث، يلاحظ بول أشوورث، كبير الاقتصاديين بأمريكا الشمالية لدى شركة (كابيتال إيكنوميكس)، أن خطة الرئيس الأمريكي يرجح أن تؤثر “سلبا” على الاقتصاد الأمريكي.
والرأي ذاته تتشاطره دراسة أجرتها شركة (أليكس بارتنرز) الاستشارية، التي حذرت من أن الرسوم الجمركية ستثقل صناعة السيارات الأمريكية بتكاليف إضافية بقيمة 60 مليار دولار، سيتحمل المستهلكون جزءا كبيرا منها.
من جانبها، نبهت شركة (كابيتال إيكنوميكس) إلى أن من شأن السياسة الجديدة أن تزيد معدل التضخم، الذي بلغ 2.6 بالمائة في دجنبر، إلى حوالي 3.2 بالمائة، أي أعلى بكثير من نسبة 2 بالمائة التي ينشدها مجلس الاحتياطي الفدرالي.
كما أن ارتفاع الأسعار لم يعد فرضية، بل أضحى واقعا لا مفر منه. فقد أقر ترامب بذلك في منشور مؤخرا على شبكته الاجتماعية (تروث سوشال).
وكتب أن موجة الرسوم الجمركية يمكن أن تسبب ضررا، غير أن رؤيته لمستقبل أمريكا “تستحق هذه التضحية”، مؤكدا أن هذه الأخيرة ستكون “عابرة”.
وتحذر (وول ستريت جورنال) من أن ارتفاع الرسوم الجمركية يعني “اضطرابا في سلسلة التوريد، وزيادة في تكلفة المنتجات الزراعية، وارتفاعا في قيمة فواتير التدفئة”.