الرباط-عماد مجدوبي
أثار قرار رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، إحالة النائبة البرلمانية عن حزب جبهة القوى الديمقراطية، ريم شباط، على لجنة الأخلاقيات، نقاشًا واسعًا حول مدى دستورية هذه الخطوة وصوابيتها.
جاء ذلك عقب تناول النائبة لموضوع تدهور خدمات النقل العمومي بمدينة فاس خلال جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، الإثنين 27 يناير 2025، المخصصة لمناقشة القطاع السياحي.
في مداخلتها، اعتبرت النائبة أن مشكلات النقل العمومي تعيق تطور القطاع السياحي، منتقدة الوضع المتردي لحافلات النقل بفاس ومقدمة صورًا توثق هذه الحالة.
تدخل رئيس المجلس، راشيد الطالبي العلمي، وصرح بأن النائبة خرقت مقتضيات الفصلين 135 و141 من الدستور بحديثها عن قضايا تندرج ضمن اختصاصات الجماعات الترابية وليست من صلاحيات الحكومة.
انتهاك صارخ لمبدأ الحصانة
رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري، ورئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، يرى أن إحالة النائبة شباط على لجنة الأخلاقيات لمجرد توجيه نقد لاذع لرئيس الحكومة، يمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ الحصانة البرلمانية وتفريغاً لمضمونها الدستوري.
وشدد المتحدث، في سياق حديثه عن الواقعة لجريدة ”24 ساعة”، على أن الحصانة البرلمانية وجدت أساساً لتمكين النواب من ممارسة دورهم الرقابي بحرية تامة، بما في ذلك توجيه النقد الشديد للحكومة ومسؤوليها.
وبحسب ذات الخبير في الشأن السياسي، فعندما يتم استخدام لجنة الأخلاقيات كأداة لتقييد حرية النواب في التعبير عن آرائهم، فإن ذلك يؤدي إلى إضعاف الدور الرقابي للبرلمان وتقويض مبدأ الفصل بين السلطات.
وأبرز أن هذا الإجراء يخلق مناخاً من الترهيب والتخويف يمنع النواب من أداء واجبهم في مساءلة الحكومة ونقد سياساتها، مما يفرغ الحصانة البرلمانية من جوهرها ويحولها إلى مجرد نص دستوري بلا معنى حقيقي.
الجانب الدستوري
يعتبر التداخل بين اختصاصات الحكومة والجماعات الترابية سمة أساسية للنظم الديمقراطية. فالنقل الحضري، على سبيل المثال، له انعكاسات مباشرة على السياحة والتنمية الاقتصادية، وبالتالي يدخل ضمن اهتمامات الحكومة.
كما أن النصوص الدستورية غالباً ما تكون قابلة لتفسيرات متعددة. فبينما يمكن تفسير طرح مسألة النقل الحضري على أنها تتجاوز اختصاصات الحكومة، يمكن أيضاً تبريره بربطه بمصالح تشرف عليها سلطة رئيس الحكومة.
يمثل البرلمان ساحة للتعبير عن مختلف الشواغل المواطنية. وبالتالي، فإن طرح قضايا محلية داخل الجلسات العامة لا يخالف بالضرورة الدستور، طالما تم ربطها بقضايا وطنية أوسع أو أنها تدخل ضمن اختصاصات من هم تحت إشراف الحكومة.
الجانب السياسي
قد يكون قرار إحالة النائبة على لجنة الأخلاقيات يحمل دوافع سياسية أكثر منها دستورية. فالتصعيد ضد نائب معارض يمكن أن يكون وسيلة للحد من تأثيره السياسي. كما قد يكون طرح مسألة النقل الحضري في مدينة فاس محاولة لاستغلال القضايا المحلية لتحقيق مكاسب انتخابية.
في المقابل، قد ينظر البعض إلى هذا القرار على أنه تقييد لحرية التعبير داخل البرلمان، وهو ما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
الممارسات البرلمانية
يوفر النظام الداخلي للمجلس إطاراً تنظيمياً للعمل البرلماني. ويمكن استخدامه لتحديد حدود النقاش وتوجيهه.
وتتطلب ممارسة العمل البرلماني التزاماً بأخلاقيات محددة واحترام المؤسسات، لكن لا يجب أن يتحول الأمر إلى سوط في يد الأغلبية لقمع البرلمانيين لمجرد التعبير عن أرائهم في قضايا تهم من أوصلهم إلى قبة البرلمان.
خلاصة، تثير قضية إحالة النائبة ريم شباط على لجنة الأخلاقيات تساؤلات حول التوازن الدقيق بين الدستورية والسياسة في الممارسات البرلمانية. فبينما يحق للنائب طرح أي مسألة تهم المواطنين، يجب أن يتم ذلك ضمن إطار يحترم المؤسسات والقوانين. كما يجب على البرلمان أن يضمن حرية التعبير دون المساس بكرامة المؤسسات.