الرباط-عماد مجدوبي
أوصى تقرير صادر عن البنك الدولي المغرب بالفصل التام بين المصالح العامة والخاصة بغية محاربة كافة أشكال تضارب المصالح وتأمين الحكامة الجيدة للدولة الحديثة.
كما دعا التقرير الذي يحمل عنوان ” “المغرب في أفق 2040″، إلى تعزيز المنافسة الشريفة والحد من أشكال الريع عبر تعزيز استقلالية وصلاحيات سلطات التقنين.
في مقابل هذه الرؤية للبنك الدولي، تحوم شبهات تضارب المصالح حول رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بفوز شركة في ملكيته بصفقة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء، مما وضعه في مرمى الكثير من الانتقادات، خلال الأيام الأخيرة.
ويبدو أن رئيس الحكومة لا يطلع على التقارير التي تصدر عن المؤسسات الدولية، خصوصا البنك الدولي، الذي تكتسي تصوراته وتحليلاته وتوقعاته وحتى توصياته، أهمية بالغة، أو أن السيد رئيس الحكومة لا يعر أي اهتمام لهذه التقارير.
حتى وإن حاول أخنوش أن ينأى عن نفسه عن اتهامات تضارب المصالح، وهو يدافع داخل البرلمان عن فوز شركته بالصفقة المقدرة بالمليارات، إلا أن المصلحة الوطنية العليا كانت تقتضي ألا يقع في المحظور من الأصل.
تقارير البنك الدولي ذاته ذكر أخطر من ذلك، حين شدد على أن الحكومة المركزية بحد ذاتها يمكن أن تتعرض لـ ”الاختطاف” من قبل ذوي المصالح الخاصة التي وصفها بأنها تكون ”منظمة بشكل جيد وقادرة على التأثير على القواعد”.
ودعا تقرير المؤسسة المالية الدولية إلى تحسين مناخ الأمال وتنفيذ الإستراتيجيات الوطنية، وذلك بالتنسيق بين مختلف الفاعلين في القطاعين العمومي والخاص.
في سياق متصل، قال التقرير إن المغرب يشكل حالة استثنائية في العالم العربي، الذي يعاني من اضطرابات متزايدة، حيث يمتلك إمكانات فريدة لتعزيز مكانته الاقتصادية والاجتماعية.
ووفقًا للتقرير، هذا الزخم قد يؤهل المغرب، خلال الجيل المقبل، ليصبح أول دولة غير منتجة للنفط في شمال إفريقيا تنضم إلى قائمة الدول ذات الدخل المرتفع.
تقرير البنك الدولي أوضح أن تحقيق هذا التحول يتطلب فهمًا عميقًا للواقعين الاقتصادي والسياسي في المغرب، مشيرًا إلى أهمية وعي المجتمع بصعوبة اللحاق بركب الدول المتقدمة، حيث يعتمد هذا الهدف على تنفيذ إصلاحات داخلية شاملة.
وشدد على ضرورة تقوية المؤسسات الوطنية والمحلية لتفعيل مبادئ الشفافية والمساءلة، مما يسهم في وضع أسس جديدة للتنظيم الاقتصادي والسياسي.
بحسب التقرير المعنون يحتاج النظام التعليمي المغربي إلى تدخل إصلاحي حاسم أشبه بـ”العلاج بالصدمة” لتحسين جودة التعليم وتنمية المهارات الحياتية. كما دعا إلى التصدي للعوامل التي تعيق المنافسة العادلة مثل حماية المصالح الخاصة ونظم الامتيازات، والتي تُعد عقبات كبيرة أمام التنمية المستدامة.
وأشار التقرير إلى أن المغرب يملك عدة مرتكزات لتحقيق قفزته التنموية، أبرزها استقرار القيادة السياسية وتماسك المؤسسات، مع الحاجة لتعزيز القيم الديمقراطية وتبني معايير حديثة.
وأكد أهمية تحقيق توافق معياري مع الاتحاد الأوروبي على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لتعزيز رأس المال غير المادي المغربي، الذي يعتبر عنصرًا أساسيًا لتحقيق الازدهار المستقبلي. كما شدد التقرير على أهمية صياغة عقد اجتماعي جديد يعزز مبادئ الانفتاح والمساواة بين الجنسين ويبني جسور الثقة بين أفراد المجتمع.
ورأى أن تحسين النظام التعليمي وتطوير رأس المال البشري يمثلان القاطرة الرئيسية لتحقيق تنمية اقتصادية قادرة على تحقيق معدل نمو سنوي لا يقل عن 4.5% على مدار 25 عامًا، ما يسمح للمغرب بكسر “السقف الزجاجي” الذي يحد من تقدمه.
وخلص التقرير إلى أن النجاح في تحقيق هذا الطموح يتطلب تعزيز القدرات البشرية والاجتماعية للمغرب ووضع قواعد شفافة وعادلة لتنظيم السياسات العامة.
وأكد على أهمية انخراط جميع الأطراف الفاعلة، بما في ذلك الدولة والجهات المحلية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، في جهود التغيير. التقرير أشار أيضًا إلى أن التحولات العالمية نحو الاقتصاد الرقمي واقتصاد المعرفة تغير موازين الثروة، حيث لم تعد التنمية المستدامة تعتمد فقط على رأس المال المادي أو اليد العاملة، بل باتت جودة المؤسسات والمعارف والمهارات هي المحرك الرئيسي للنمو.
واعتبر التقرير أن المغرب يمتلك فرصًا كبيرة للاستفادة من هذه التحولات لتعزيز رأس ماله البشري والاجتماعي.
وفي الختام، شدد التقرير على أن المغرب قادر، إذا توفرت الظروف المناسبة وتبنى إصلاحات جدية، على تحقيق تحول يجعله نموذجًا إقليميًا يحتذى به، شريطة مواجهة تحديات المرحلة بروح الانفتاح والإرادة المجتمعية