الرباط-عماد مجدوبي
شهدت منطقة الساحل الأفريقي تطورات مقلقة ينذر بتصعيد حدة التوترات الإقليمية، وذلك على خلفية إعلان الحكومة المالية، أمس الأحد، استدعاء السفير الجزائري في باماكو احتجاجاً على إسقاط طائرة استطلاع تابعة للجيش المالي قرب الحدود المشتركة بين البلدين.
أزمة دبلوماسية حادة
هذه الخطوة التصعيدية، التي جاءت في بيان رسمي مالي، تعكس عمق الخلاف المتصاعد بين الجارتين وتثير تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقات الدبلوماسية الثنائية وتأثيرها على استقرار المنطقة الهشة أصلاً.
البيان المالي استند في قراره إلى حادثة إسقاط طائرة مسيرة داخل المجال الجوي الجزائري بالقرب من الحدود مع مالي.
واتهمت الحكومة المالية، في بيانها، الجزائر بإسقاط طائرة مسيرة تابعة لجيشها داخل الأراضي المالية، مؤكدة أن “موقع الحطام تم تحديده بدقة على بعد 9.5 كيلومترات جنوب الحدود بين مالي والجزائر”، وذلك بعد فقدان الاتصال بالطائرة في موقع يقع داخل الأراضي المالية. وأكد البيان أن المسيرة كانت تقوم بمهمة رصد اجتماع لمسلحين قبل إسقاطها.
يأتي هذا الاتهام رداً على بيان سابق لوزارة الدفاع الجزائرية، والتي أعلنت فيه عن إسقاط طائرة مسيرة مسلحة اخترقت المجال الجوي الجزائري بعمق كيلومترين بالقرب من تين زواتين.
وأشار البيان المالي إلى أن باماكو طلبت من الجزائر تزويدها بأدلة تدعم ادعاء انتهاك طائرة استطلاع مالية لمجالها الجوي، مؤكدة أن هذا الطلب لم يتم الرد عليه بشكل مرضٍ منذ 72 ساعة، واصفة الحادثة بأنها “غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين مالي والجزائر”.
على إثر ذلك، قررت الحكومة المالية اتخاذ عدة إجراءات تصعيدية، من بينها “استدعاء السفير الجزائري للاحتجاج على عداء النظام الجزائري، والانسحاب الفوري من لجنة الأركان المشتركة (هيئة تنسيق عسكري كانت تجمع الجزائر ودول الساحل ومقرها تمنراست)، وتقديم شكوى أمام الهيئات الدولية ضد النظام الجزائري”.
اتهامات للجزائر بدعم الإرهاب
تضمن بيان حكومة مالي اتهامات حادة للجزائر بدعم ما تعتبره باماكو جماعات إرهابية، في إشارة واضحة إلى حركة ”الأزواد” المتمركزة في شمال مالي قرب الحدود الجزائرية.
وتأتي هذه التطورات في سياق معاكس لرغبة معلنة في إصلاح العلاقات المتوترة بين البلدين، والتي برزت قبل أسبوع خلال لقاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالسفير المالي الجديد في الجزائر، حيث أكد الأخير حرصه على تعزيز التعاون والعلاقات الأخوية بين البلدين.
سوابق في التوترات وبوادر إعلان حرب
عرفت العلاقات بين الجزائر وباماكو توتراً ملحوظاً منذ وصول العسكر إلى السلطة في مالي سنة 2021، وتفاقمت الأزمة بعد استقبال الجزائر للشيخ ديكو، وهو شخصية دينية وسياسية مالية معارضة. كما زاد التوتر بعد قرار حكومة مالي في دجنبر 2023 إلغاء اتفاق السلام الموقع مع حركات ”الأزواد” وإطلاق حوار داخلي استبعد هذه الحركة، وتم وصفها بالإرهاب.
ولم تتوقف تداعيات إسقاط الطائرة المسيرة عند مالي، حيث أعلن بيان ثانٍ موقع من رئيس كتاب رئيس مالي، عليصيمي غويتا، بصفته رئيس اتحاد دول الساحل (الذي يضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو)، عن قرار الدول الثلاث “استدعاء سفرائها المعتمدين في الجزائر للتشاور”، واعتبار “الفضاء الكونفدرالي ساحة عمليات عسكرية موحدة”، مؤكدين أن “تدمير الطائرة المسيّرة المالية هو عدوان يستهدف جميع الدول الأعضاء في اتحاد الساحل”.
من المتوقع أن تصدر الجزائر ردًا قد يكون تصيعيديا على هذه الاتهامات والخطوات المتخذة من قبل الدول الثلاث، خاصة بالنظر إلى اللهجة الحادة التي استخدمتها الحكومة المالية في بيانها، واتهامها الجزائر بدعم الإرهاب، وهو ما سبق أن رد عليه وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بشدة في شتنبر 2023، واصفًا الاتهامات بـ”الوضيعة”.
بوركينا فاسو والنيجر تدخلان على الخط
في خطوة لافتة للتضامن الإقليمي، أصدرت كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر بياناً مشتركاً أعلنت فيه استدعاء سفرائها من الجزائر “للتشاور”، مما يضفي بعداً جماعياً للأزمة ويوحي بوجود تنسيق مسبق بين هذه الدول الثلاث في مواجهة الجزائر.
موقف بوركينا فاسو والنيجر الداعم لمالي واستدعائهما لسفيريهما من الجزائر يمثل تطوراً مهماً، حيث يشير إلى اصطفاف إقليمي جديد قد يكون له تداعيات على التوازنات القائمة في منطقة الساحل. هذه الدول الثلاث تشترك في تحديات أمنية وسياسية متشابهة، وقد تجد في هذا التضامن قوة لمواجهة الضغوط الإقليمية والدولية.
وكانت وزارة الدفاع الجزائرية قد أوضحت في بيان سابق أن وحدة تابعة للدفاع الجوي تمكنت من إسقاط طائرة مسيرة مسلحة اخترقت المجال الجوي الجزائري لمسافة كيلومترين بالقرب من مدينة تين زاوتين الحدودية.
وأكد البيان الجزائري أن العملية تمت ليلاً، مشدداً على يقظة واستعداد القوات المسلحة الجزائرية لحماية السيادة الوطنية. اللافت في البيان الجزائري غياب أي معلومات حول هوية الطائرة أو الجهة التي أطلقتها، ونوع الرد العسكري المستخدم.
ويفاقم التضارب في الروايات بين الطرفين حالة الغموض وعدم الثقة، ويفتح الباب واسعاً للتكهنات حول دوافع إسقاط الطائرة وهوية الجهة المشغلة لها.
ففي حين تصر مالي على أنها طائرة استطلاع تابعة لها، لم تقدم الجزائر حتى الآن أي دليل يدحض هذا الادعاء أو يكشف عن هوية أخرى محتملة للطائرة.
استدعاء السفراء وتبادل البيانات الحادة يشيران بوضوح إلى أن الأزمة تتجاوز مجرد حادثة عابرة، وتنم عن وجود خلافات أعمق وتراكمات من التوتر بين البلدين.
قضايا عالقة تنذر بالتصعيد
يبدو أن هناك قضايا عالقة تساهم في تأجيج هذا الصراع الدبلوماسي، سواء كانت تتعلق بالأمن الحدودي، أو التعاون الإقليمي، أو حتى ملفات سياسية داخلية في كل من البلدين.
يبقى السؤال الأهم: هل تتجه الأوضاع في المنطقة نحو مزيد من التصعيد؟ الاحتمالات مفتوحة على سيناريوهات مختلفة، بما في ذلك استمرار حالة التوتر وتبادل الاتهامات الذي قد يدفع الأمور نحو مزيد من التعقيد ويؤثر سلباً على جهود مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة في المنطقة.