الرباط-عماد مجدوبي
في تحول مفاجئ للأحداث، تشير تقارير إلى أن إيران تسعى جاهدة لإعادة بناء جسور التواصل مع المغرب، بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية.
يأتي هذا التحرك الإيراني في سياق التغيرات الجيوسياسية المتسارعة في الشرق الأوسط، حيث تسعى طهران لتوسيع دائرة حلفائها وشركائها.
وأكدت مصادر أنه تم عقد اجتماع في أوائل نونبر في الرباط بين مسؤول إيراني رفيع المستوى وممثلين من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان مع نظرائهم المغاربة
تقارب بمصالح دبلوماسية واقتصادية
يرى خبراء دبلوماسيون، أن من بين نقاط القوة لدى المغرب ثبات رؤيته في السياسة الخارجية بفضل حكمة وبراغماتية الملك محمد السادس، الذي يسعى لخدمة المصالح العليا للمغرب بعيدا عن التأثر بتغير الحكومات واتجاهاتها السياسية، وهذا يضمن أن تكون الأولوية دائماً لمصلحة المغرب. تفتح المملكة ذراعيها لشراكات قائمة على مبدأ الربح المتبادل مع جميع الدول، بما في ذلك إيران، بشرط التعلم من أخطاء الماضي واغتنام فرص الحاضر.
أي مصالحة محتملة بين المغرب وإيران، وفق ذات الخبراء، تتطلب اعترافاً كاملاً من طهران بسيادة المغرب على صحرائه وقطع علاقاتها مع جبهة البوليساريو، إضافة إلى الاحترام الكامل لمؤسسة إمارة المؤمنين ومنع أي محاولات لنشر المذهب الشيعي داخل المملكة أو في مناطق نفوذها الروحي.
يمكن ترجمة حسن النية بفتح قنصلية إيرانية في الصحراء المغربية، والالتزام بهذه المعايير على مستوى المواقف الإيرانية في المحافل الدولية.
و يلعب الجانب الاقتصادي دورًا محورياً في العلاقات الدولية، وإيران تحتاج إلى منتجات وخبرات مغربية حيوية للمضي قدماً. لذلك، اليوم، تبدو طهران بحاجة إلى شراكات براغماتية مع المغرب.
كما يمكن أن تلعب ”دبلوماسية الفوسفاط”، دورا محوريا، في أي تقارب محتمل بين المملكة المغربية وإيران. لقد أقام المغرب شراكات استراتيجية بناء على السياسة ذاتها، مع دول الجنوب، خاصة في إفريقيا، وعززت العلاقات الثنائية وفق منطق ”رابح-رابح”. كما ساهمت هذه الدبلوماسية في بناء مصانع للأسمدة، ونقل التكنولوجيا، وتدريب الكفاءات، مما حقق أمنا غذائيا في هذه الدول.
بعدما لم تحقق بعض الدول المغاربية سوى الكلام والتورط في خطط غير مفيدة، على الإيرانيين أن يعودوا للتاريخ ليدركوا أن الحضارات العريقة كانت دائماً مصانع للحكمة والعقل، وأن التعاون مع ورثة هذه الحضارات يمكن أن يمهد الطريق لمستقبل أفضل.
شروط مغربية واضحة على الطاولة
وفقًا للمعلومات المتاحة، فإن المبعوث الرفيع المستوى الذي زار العاصمة الرباط مؤخرًا، حمل معه رسالة من طهران تتضمن رغبة في فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية. وتم خلال هذا اللقاء نقل الشروط المغربية إلى الجانب الإيراني، والتي تتعلق بشكل أساسي بوقف الدعم الإيراني لجبهة البوليساريو الإنفصالية، والتزام طهران بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب.
ونَقل المبعوث الإيراني شروط المغرب لقادته لمراجعتها والرد عليها، مما قد يساهم في تقارب دبلوماسي بين البلدين
أسباب القطيعة السابقة
يُذكر أن المغرب كان قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران في فاتح ماي من سنة 2018، متهمًا طهران بدعم الجبهة الانفصالية (البوليساريو)، من خلال توفير الدعم اللوجستي والعسكري لها. كما أعربت الرباط عن قلقها إزاء أنشطة حزب الله اللبناني في المنطقة، والذي تربطه علاقات وثيقة بإيران.
كما حذر المغرب من تسليم إيران طائرات بدون طيار للميليشيات المسلحة التابعة للجبهة.
إلى جانب غضب الرباط من دعم إيران لجبهة البوليساريو الانفصالية سياسياً وعسكرياً؛ يرى مراقبون أن طهران تسعى لنشر التشيع في المغرب، حيث تلعب مؤسسة إمارة المؤمنين دوراً تاريخياً مهماً في نفوس المغاربة، بالإضافة إلى نشر المذهب الشيعي في إفريقيا حيث تربط الطرق الصوفية والزوايا في عدة بلدان إفريقية علاقات تاريخية وروحية مع المملكة المغربية.
وينبغي الإشارة أيضا إلى محاولات التأثير على المصالح الحيوية للمغرب أحياناً بما يتماشى مع مخططات جزائرية مبنية على العداء.
تحولات إقليمية تدفع باتجاه التقارب
ذكرت المصادر أن هذه الخطوة الإيرانية، تأتي في ظل تحولات إقليمية واسعة، حيث تشهد المنطقة تقاربات جديدة بين دول كانت في خصومة. فبعد الاتفاق الإيراني السعودي بوساطة صينية، تسعى طهران إلى استعادة مكانتها الإقليمية، وتوسيع دائرة نفوذها.
وتشير المصادر إلى أن رغبة إيران في فتح صفحة جديدة مع الرباط، جاء وسط التصعيد والتوترات في منطقة الشرق الأوسط، التي دفعت طهران إلى محاولة التواصل مع الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، من بينها المغرب.
يجدر بالذكر أن وزير الخارجية الإيراني السابق، الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أعلن في يونيو 2023 عن مصالحة محتملة مع المغرب خلال لقاء جمعه بسفراء الدول الإسلامية.
كان البلدان قد بدآ حوارًا في تونس عام 2014 بعد فترة من الانقطاع بدأت منذ 2009، وانتهى الحوار بشكل إيجابي عبر تبادل السفراء.